أن الإنسان إنما يستفيدالعلم بالتعلم من الأستاذ،و ذلك لا يمكن إلا بقوة السمع، فاستكمالالنفس بالكمالات العلمية لا يحصل إلا بقوةالسمع، و لا يتوقف على قوة البصر، فكانالسمع أفضل من البصر.
الحجة الرابعة:
أنه تعالى قال: إِنَّ فِيذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌأَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ[ق: 37]و المراد من القلب ههنا العقل، فجعل السمعقرينا للعقل و يتأكد هذا بقوله تعالى: وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْنَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِالسَّعِيرِ [الملك: 10] فجعلوا السمع سبباللخلاص من عذاب السعير.
الحجة الخامسة:
أن المعنى الذي يمتاز بهالإنسان من سائر الحيوانات هو النطق والكلامو إنما ينتفع بذلك القوة السامعة، فمتعلقالسمع النطق الذي به حصل شرف الإنسان، ومتعلق البصر إدراك الألوان و الأشكال، وذلك أمر مشترك فيه بين الناس و بين سائرالحيوانات، فوجب أن يكون السمع أفضل منالبصر.
الحجة السادسة:
أن الأنبياء عليهم السلاميراهم الناس و يسمعون كلامهم،فنبوتهم ما حصلت بسبب ما معهم من الصفاتالمرئية، و إنما حصلت بسبب ما معهم منالأصوات المسموعة و هو الكلام و تبليغالشرائع و بيان الأحكام، فوجب أن يكونالمسموع أفضل من المرئي، فلزم أن يكونالسمع أفضل من البصر، فهذا جملة ما تمسك بهالقائلون بأن السمع أفضل من البصر،و من الناس من قال: البصر أفضل من السمع، ويدل عليه وجوه:
الحجة الأولى:
أنهم قالوا في المثلالمشهور ليس و راء العيان بيان،و ذلك يدل على أن أكمل وجوه الإدراكات هوالأبصار.
الحجة الثانية:
أن آلة القوة الباصرة هوالنور و آلة القوة السامعة هي الهواءو النور أشرف من الهواء فالقوة الباصرةأشرف من القوة السامعة.
الحجة الثالثة:
أن عجائب حكمة اللَّهتعالى في تخليق العين التي هي محل الأبصارأكثر من عجائب خلقته في الأذنالتي هي محل السماع، فإنه تعالى جعل تمامروح و احد من الأرواح السبعة الدماغية منالعصب آلة للأبصار، و ركب العين من سبعطبقات و ثلاث رطوبات و خلق لتحريكات العينعضلات كثيرة على صور مختلفة و الأذن ليسكذلك و كثرة العناية في تخليق الشيء تدلعلى كونه أفضل من غيره.
الحجة الرابعة:
أن البصر يرى ما حصل فوقسبع سموات و السمع لا يدرك ما بعد منه علىفرسخ،فكان البصر أقوى و أفضل و بهذا البيانيدفع قولهم إن السمع يدرك من كل الجوانب والبصر لا يدرك إلا من الجانب الواحد.
الحجة الخامسة:
أن كثيرا من الأنبياء سمعكلام اللَّه في الدنيا،و اختلفوا في أنه هل رآه أحد في الدنيا أملا؟ و أيضا فإن موسى عليه السلام سمع كلامهمن غير سبق سؤال و التماس و لما سأل الرؤيةقال: لَنْ تَرانِي [الأعراف: 143] و ذلك يدلعلى أن حال الرؤية أعلى من حال السماع.
الحجة السادسة:
قال ابن الأنباري: كيفيكون السمع أفضل من البصر و بالبصر يحصلجمال الوجه، و بذهابه عيبه،و ذهاب السمع لا يورث الإنسان عيبا، العربتسمي العينين الكريمتين و لا تصف السمعبمثل هذا؟ و منه الحديث يقول اللَّه تعالى:(من أذهبت كريمته فصبر و احتسب لم أرض لهثوابا دون الجنة).