مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
الآن إيجاد شيء و حصل في الآن الثانيإيجاد شيء آخر، فهما إن كانا جزأين منذلك الجزء الذي لا يتجزى، فحينئذ يكونالجزء الذي لا يتجزى متجزئا و هو محال و إنكان شيئا آخر، فحينئذ يكون إيجاد الجزءالذي لا يتجزى لا يمكن إلا في آن واحد دفعةواحدة، و كذا القول في إيجاد جميع الأجزاءفثبت أنه تعالى قادر على إيجاد جميعالعالم دفعة واحدة، و لا شك أيضا أنه تعالىقادر على إيجاده و تكوينه على التدريج.
و إذا ثبت هذا فنقول ههنا مذهبان: الأول:قول أصحابنا و هو أنه يحسن منه كلما أراد،و لا يعلل شيء من أفعاله بشيء من الحكمةو المصالح، و على هذا القول يسقط قول منيقول: لم خلق العالم في ستة أيام و ما خلقهفي لحظة واحدة؟ لأنا نقول كل شيء صنعه ولا علة لصنعه فلا يعلل شيء من أحكامه و لاشيء من أفعاله بعلة، فسقط هذا السؤال.الثاني: قول المعتزلة و هو أنهم يقولون يجبأن تكون أفعاله تعالى مشتملة على المصلحةو الحكمة فعند هذا قال القاضي: لا يبعد أنيكون خلق اللّه تعالى السموات و الأرض فيهذه المدة المخصوصة، أدخل في الاعتبار فيحق بعض المكلفين. ثم قال القاضي:
فإن قيل: فمن المعتبر و ما وجه الاعتبار؟ثم أجاب و قال: أما المعتبر فهو أنه لا بدمن مكلف أو غير مكلف من الحيوان خلقه اللّهتعالى قبل خلقه للسموات و الأرضين، أومعهما، و إلا لكان خلقهما عبثا.
فإن قيل: فهلا جاز أن يخلقهما لأجل حيوانيخلقه من بعد؟! قلنا: إنه تعالى لا يخافالفوت، فلا يجوز أن يقدم خلق ما لا ينتفعبه أحد، لأجل حيوان سيحدث بعد ذلك، و إنمايصح منا ذلك في مقدمات الأمور لأنا نخشىالفوت، و نخاف العجز و القصور. قال: و إذاثبت هذا فقد صح ما روي في الخبر أن خلقالملائكة كان سابقا على خلق السموات والأرض.
فإن قيل: أولئك الملائكة لا بد لهم منمكان، فقبل خلق السموات و الأرض لا مكان،فكيف يمكن وجودهم بلا مكان؟
قلنا: الذي يقدر على تسكين العرش والسموات و الأرض في أمكنتها كيف يعجز عنتسكين أولئك الملائكة في أحيازها بقدرته وحكمته؟ و أما وجه الاعتبار في ذلك فهو أنهلما حصل هناك معتبر، لم يمتنع أن يكوناعتباره بما يشاهده حالا بعد حال أقوى والدليل عليه: أن ما يحدث على هذا الوجه،فإنه يدل على أنه صادر من فاعل حكيم و أماالمخلوق دفعة واحدة فإنه لا يدل على ذلك.
و السؤال الثالث:
فهل هذه الأيام كأيامالدنيا
أو كما روي عن ابن عباس أنه قال: إنها ستةأيام من أيام الآخرة كل يوم منها ألف سنةمما تعدون؟
و الجواب:
قال القاضي: الظاهر في ذلك أنهتعريف لعباده مدة خلقه لهما، و لا يجوز أنيكون ذلك تعريفا، إلا و المدة هذه الأيامالمعلومة.
و لقائل أن يقول: لما وقع التعريف بالأيامالمذكورة في التوراة و الإنجيل، و كانالمذكور هناك أيام الآخرة لا أيام الدنيا،لم يكن ذلك قادحا في صحة التعريف.
السؤال الرابع:
هذه الأيام إنما تتقدربحسب طلوع الشمس و غروبها،
و هذا المعنى مفقود قبل خلقها، فكيف يعقلهذا التعريف؟