مفاتیح الشرائع جلد 17
لطفا منتظر باشید ...
اعلم أن من الناس: من قال: إن تعلق هذهالآية بما قبلها هو أنه تعالى قال قبل هذهالآية وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لَافْتَدَتْبِهِ [يونس: 54] فلا جرم قال في هذه الآية ليسللظالم شيء يفتدى به، فإن كل الأشياء ملكاللَّه تعالى و ملكه، و اعلم أن هذاالتوجيه حسن، أما الأحسن أن يقال إنا قدذكرنا أن الناس على طبقات، فمنهم من يكونانتفاعه بالإقناعيات أكثر من انتفاعهبالبرهانيات، أما المحققون فإنهم لايلتفتون إلى الإقناعيات، و إنما تعويلهمعلى الدلائل البينة و البراهين القاطعة،فلما حكى اللَّه تعالى عن الكفار أنهمقالوا أَ حَقٌّ هُوَ؟ أمر الرسول عليهالسلام بأن يقول: إِي وَ رَبِّي [يونس: 53] وهذا جار مجرى الإقناعيات، فلما ذكر ذلكأتبعه بما هو البرهان القاطع على صحته وتقريره أن القول بالنبوة و القول بصحةالمعاد يتفرعان على إثبات الإله القادرالحكيم و أن كل ما سواه فهو ملكه و ملكه،فعبر عن هذا المعنى بقوله: أَلا إِنَّلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِو لم يذكر الدليل على صحة هذه القضية، لأنهتعالى قد استقصى في تقرير هذه الدلائلفيما سبق من هذه السورة، و هو قوله: إِنَّفِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [يونس: 6] و قوله: هُوَ الَّذِيجَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَنُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ [يونس: 5]فلما تقدم ذكر هذه الدلائل القاهرة اكتفىبذكرها، و ذكر أن كل ما في العالم من نبات وحيوان و جسد و روح و ظلمة و نور فهو ملكه وملكه، و متى كان الأمر كذلك، كان قادرا علىكل الممكنات، عالما بكل المعلومات غنيا عنجميع الحاجات، منزها عن النقائص و الآفات،فهو تعالى لكونه قادرا على جميع الممكناتيكون قادرا على إنزال العذاب على الأعداءفي الدنيا و في الآخرة و يكون قادرا علىإيصال الرحمة إلى الأولياء في الدنيا و فيالآخرة و يكون قادرا على تأييد رسوله عليهالسلام بالدلائل القاطعة و المعجزاتالباهرة و يكون قادرا على إعلاء شأن رسولهو إظهار دينه و تقوية شرعه، و لما كانقادرا على كل ذلك فقد بطل الاستهزاء والتعجب و لما كان منزها عن النقائص والآفات، كان منزها عن الخلف و الكذب و كلما و عد به فلا بد و أن يقع، هذا إذا قلنا:إنه تعالى لا يراعي مصالح العباد، أما إذاقلنا: إنه تعالى يراعيها فنقول: الكذب إنمايصدر عن العاقل، إما للعجز أو للجهل أوللحاجة، و لما كان الحق سبحانه منزها عنالكل كان الكذب عليه محالا، فلما أخبر عننزول العذاب بهؤلاء الكفار، و بحصول الحشرو النشر وجب القطع بوقوعه، فثبت بهذاالبيان أن قوله تعالى:أَلا إِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِوَ الْأَرْضِ مقدمة توجب الجزم بصحة قوله:أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ثم قال:وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ والمراد أنهم غافلون عن هذه الدلائل،مغرورون بظواهر الأمور، فلا جرم بقوامحرومين عن هذه المعارف، ثم إنه أكد هذهالدلائل فقال: هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ و المراد أنه لماقدر على الإحياء في المرة الأولى فإذاأماته وجب أن يبقى قادرا على إحيائه فيالمرة الثانية، فظهر بما ذكرنا أنه تعالىأمر رسوله بأن يقول: إِي وَ رَبِّي [يونس: 53]ثم إنه تعالى أتبع ذلك الكلام بذكر هذهالدلائل القاهرة.و اعلم أن في قوله: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مافِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ دقيقة أخرىو هي كلمة أَلا و ذلك لأن هذه الكلمة إنماتذكر عند تنبيه الغافلين و إيقاظ النائمينو أهل هذا العالم مشغولون بالنظر إلىالأسباب الظاهرة فيقولون البستان للأميرو الدار للوزير و الغلام لزيد و الجاريةلعمرو فيضيفون كل شيء إلى مالك آخر والخلق