مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
اعلم أن قوله: وَ لَمَّا جاءَ أَمْرُنا أيعذابنا و ذلك هو ما نزل بهم من الريحالعقيم عذبهم اللَّه بها سبع ليال وثمانية أيام، تدخل في مناخرهم و تخرج منأدبارهم و تصرعهم على الأرض على وجوههمحتى صاروا كأعجاز نخل خاوية.فإن قيل: فهذه الريح كيف تؤثر في إهلاكهم؟قلنا: يحتمل أن يكون ذلك لشدة حرها أو لشدةبردها أو لشدة قوتها، فتخطف الحيوان منالأرض، ثم تضربه على الأرض، فكل ذلك محتمل.و أما قوله: نَجَّيْنا هُوداً فاعلم أنهيجوز إتيان البلية على المؤمن و علىالكافر معا، و حينئذ تكون تلك البلية رحمةعلى المؤمن و عذابا على الكافر، فأماالعذاب النازل بمن يكذب الأنبياء عليهمالسلام فإنه يجب في حكمة اللَّه تعالى أنينجي المؤمن منه، و لو لا ذلك لما عرف كونهعذابا على كفرهم، فلهذا السبب قال اللَّهتعالى ههنا: نَجَّيْنا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ.و أما قوله: بِرَحْمَةٍ مِنَّا ففيه وجوه:الأول: أراد أنه لا ينجو أحد و إن اجتهد فيالإيمان و العمل الصالح إلا برحمة مناللَّه، و الثاني: المراد من الرحمة: ماهداهم إليه من الإيمان باللَّه و العملالصالح. الثالث: أنه رحمهم في ذلك الوقت، وميزهم عن الكافرين في العقاب.و أما قوله: وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍغَلِيظٍ فالمراد من النجاة الأولى هيالنجاة من عذاب الدنيا، و النجاة الثانيةمن عذاب القيامة، و إنما وصفه بكونه غليظاتنبيها على أن العذاب الذي حصل لهم بعدموتهم بالنسبة إلى العذاب الذي و قعوا فيهكان عذابا غليظا، و المراد من قوله تعالى:وَ نَجَّيْناهُمْ أي حكمنا بأنهم لايستحقون ذلك العذاب الغليظ و لا يقعون فيه.و اعلم أنه تعالى لما ذكر قصة عاد خاطب قوممحمد صلّى الله عليه وسلّم، فقال: وَتِلْكَ عادٌ فهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم، كأنه تعالى قال: سيروا في الأرضفانظروا إليها و اعتبروا. ثم إنه تعالى جمعأوصافهم ثم ذكر عاقبة أحوالهم في الدنيا والآخرة، فأما أوصافهم فهي ثلاثة.الصفة الأولى: قوله: جَحَدُوا بِآياتِرَبِّهِمْ و المراد: جحدوا دلالة المعجزاتعلى الصدق، أو الجحد، و دلالة المحدثاتعلى وجود الصانع الحكيم، إن ثبت أنهمكانوا زنادقة.الصفة الثانية: قوله: وَ عَصَوْا رُسُلَهُو السبب فيه أنهم إذا عصوا رسولا و احدا،فقد عصوا جميع الرسل لقوله تعالى: لانُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ[البقرة: 285] و قيل: لم يرسل إليهم إلا هودعليه السلام.الصفة الثالثة: قوله: وَ اتَّبَعُواأَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ و المعنىأن السفلة كانوا يقلدون الرؤساء في قولهم:ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ[المؤمنون: 24] و المراد من الجبار المرتفعالمتمرد العنيد العنود و المعاند، و هوالمنازع المعارض.و اعلم أنه تعالى لما ذكر أوصافهم ذكر بعدذلك أحوالهم فقال: وَ أُتْبِعُوا فِيهذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَ يَوْمَ