مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
إخوته و ظهور صدق ما أخبر اللَّه تعالىعنه في قوله ليوسف عليه السلام حال ماألقوه في الجب لَتُنَبِّئَنَّهُمْبِأَمْرِهِمْ هذا وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ[يوسف: 15] و أخبر تعالى أن يوسف عرفهم و همما عرفوه ألبتة، أما أنه عرفهم فلأنهتعالى كان قد أخبره في قوله:لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ بأنهميصلون إليه و يدخلون عليه، و أيضا الرؤياالتي رآها كانت دليلا على أنهم يصلونإليه، فلهذا السبب كان يوسف عليه السلاممترصدا لذلك الأمر، و كان كل من وصل إلىبابه من البلاد البعيدة يتفحص عنهم ويتعرف أحوالهم ليعرف أن هؤلاء الواصلين هلهم إخوته أم لا فلما وصل إخوة يوسف إلى بابداره تفحص عن أحوالهم تفحصا ظهر له أنهمإخوته، و أما أنهم ما عرفوه فلوجوه: الأول:أنه عليه السلام أمر حجابه بأن يوقفوهم منالبعد و ما كان يتكلم معهم إلا بالواسطة ومتى كان الأمر كذلك لا جرم أنهم لم يعرفوهلا سيما مهابة الملك و شدة الحاجة يوجبانكثرة الخوف، و كل ذلك مما يمنع من التأملالتام الذي عنده يحصل العرفان. و الثاني:هو أنهم حين ألقوه في الجب كان صغيرا. ثمإنهم رأوه بعد وفور اللحية، و تغير الزي والهيئة فإنهم رأوه جالسا على سريره، وعليه ثياب الحرير، و في عنقه طوق من ذهب، وعلى رأسه تاج من ذهب، و القوم أيضا نسواواقعة يوسف عليه السلام لطول المدة. فيقال:إن من وقت ما ألقوه في الجب إلى هذا الوقتكان قد مضى أربعون سنة، و كل و احد من هذهالأسباب يمنع من حصول المعرفة، لا سيماعند اجتماعها، و الثالث: أن حصول العرفان والتذكير بخلق اللَّه تعالى، فلعله تعالىما خلق ذلك العرفان و التذكير في قلوبهمتحقيقا لما أخبره عنه بقوله:لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ و كان ذلك من معجزاتيوسف عليه السلام.ثم قال تعالى: وَ لَمَّا جَهَّزَهُمْبِجَهازِهِمْ قال الليث: جهزت القومتجهيزا إذا تكلفت لهم جهازهم للسفر، وكذلك جهاز العروس و الميت و هو ما يحتاجإليه في وجهه. قال: و سمعت أهل البصرةيقولون:الجهاز بالكسر. قال الأزهري: القراء كلهمعلى فتح الجيم، و الكسر لغة ليست بجيدة،قال المفسرون: حمل لكل رجل منهم بعيرا وأكرمهم أيضا بالنزول و أعطاهم ما احتاجواإليه في السفر، فذلك قوله: جَهَّزَهُمْبِجَهازِهِمْ ثم بين تعالى أنه لما جهزهمبجهازهم قال: ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْمِنْ أَبِيكُمْ.و اعلم أنه لا بد من كلام سابق حتى يصيرذلك الكلام سببا لسؤال يوسف عن حال أخيهم،و ذكروا فيه وجوها:الوجه الأول: و هو أحسنها إن عادة يوسفعليه السلام مع الكل أن يعطيه حمل بعير لاأزيد عليه و لا أنقص، و إخوة يوسف الذينذهبوا إليه كانوا عشرة، فأعطاهم عشرةأحمال، فقالوا: إن لنا أبا شيخا كبيرا وأخا آخر بقي معه، و ذكروا أن أباهم لأجلسنة و شدة حزنه لم يحضر، و أن أخاهم بقي فيخدمة أبيه و لا بد لهما أيضا من شيء منالطعام فجهز لهما أيضا بعيرين آخرين منالطعام فلما ذكروا ذلك قال يوسف فهذا يدلعلى أن حب أبيكم له أزيد من حبه لكم، و هذاشيء عجيب لأنكم مع جمالكم و عقلكم وأدبكم إذا كانت محبة أبيكم لذلك الأخ أكثرمن محبته لكم دل هذا على أن ذلك أعجوبة فيالعقل، و في الفضل و الأدب فجيئوني به حتىأراه فهذا السبب محتمل مناسب.و الوجه الثاني: أنهم لما دخلوا عليه،عليه السلام و أعطاهم الطعام قال لهم: منأنتم؟ قالوا: نحن قوم رعاة من أهل الشامأصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال: لعلكمجئتم عيونا فقالوا معاذ اللَّه نحن إخوةبنو أب و احد