مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
على المشي عليه، و ما ذاك إلا لأن خوفه منالسقوط منه يوجب سقوطه، فعلمنا أنالتأثيرات النفسانية موجودة، و أيضا أنالإنسان إذا تصور كون فلان مؤذيا له حصل فيقلبه غضب، و يسخن مزاجه جدا فمبدأ تلكالسخونة ليس إلا ذلك التصور النفساني، ولأن مبدأ الحركات البدنية ليس إلاالتصورات النفسانية، فلما ثبت أن تصورالنفس يوجب تغير بدنه الخاص لم يبعد أيضاأن يكون بعض النفوس بحيث تتعدى تأثيراتهاإلى سائر الأبدان. فثبت أنه لا يمتنع فيالعقل كون النفس مؤثرة في سائر الأبدان وأيضا جواهر النفوس المختلفة بالماهية فلايمتنع أن يكون بعض النفوس بحيث يؤثر فيتغيير بدن حيوان آخر بشرط أن يراه و يتعجبمنه، فثبت أن هذا المعنى أمر محتمل والتجارب من الزمن الأقدم ساعدت عليه والنفوس النبوية نطقت به فعنده لا يبقى فيوقوعه شك.و إذا ثبت هذا ثبت أن الذي أطبق عليهالمتقدمون من المفسرين في تفسير هذه الآيةبإصابة العين كلام حق لا يمكن رده.القول الثاني: و هو قول أبي علي الجبائي:أن أبناء يعقوب اشتهروا بمصر و تحدث الناسبهم و بحسهم و كمالهم. فقال: لا تَدْخُلُواتلك المدينة مِنْ بابٍ واحِدٍ على ما أنتمعليه من العدد و الهيئة فلم يأمن عليهم حسدالناس أو يقال: لم يأمن عليهم أن يخافهمالملك الأعظم على ملكه فيحبسهم، و اعلم أنهذا الوجه محتمل لا إنكار فيه إلا أن القولالأول قد بينا أنه لا امتناع فيه بحسبالعقل و المفسرون أطبقوا عليه فوجب المصيرإليه، و نقل عن الحسن أنه قال: خاف عليهمالعين، فقال: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍواحِدٍ ثم رجع إلى علمه و قال: وَ ماأُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْشَيْءٍ و عرف أن العين ليست بشيء و كانقتادة يفسر الآية بإصابة العين و يقول: ليسفي قوله: وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إبطال له لأن العينو إن صح فاللَّه قادر على دفع أثره.القول الثالث: أنه عليه السلام كان عالمابأن ملك مصر هو و لده يوسف إلا أن اللَّهتعالى ما أذن له في إظهار ذلك فلما بعثأبناءه إليه قال: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍواحِدٍ وَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍمُتَفَرِّقَةٍ و كان غرضه أن يصل بنيامينإلى يوسف في وقت الخلوة، و هذا قول إبراهيمالنخعي، فأما قوله: وَ ما أُغْنِيعَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍفاعلم أن الإنسان مأمور بأن يراعي الأسبابالمعتبرة في هذا العالم و مأمور أيضا بأنيعتقد و يجزم بأنه لا يصل إليه إلا ما قدرهاللَّه تعالى و أن الحذر لا ينجي من القدر،فإن الإنسان مأمور بأن يحذر عن الأشياءالمهلكة، و الأغذية الضارة، و يسعى فيتحصيل المنافع و دفع المضار بقدر الإمكانثم إنه مع ذلك ينبغي أن يكون جازما بأنه لايصل إليه إلا ما قدره اللَّه و لا يحصل فيالوجود إلا ما أراده اللَّه فقوله عليهالسلام: لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍوَ ادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍمُتَفَرِّقَةٍ فهو إشارة إلى رعايةالأسباب المعتبرة في هذا العالم، و قوله:وَ ما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْشَيْءٍ إشارة إلى عدم الالتفات إلىالأسباب و إلى التوحيد المحض و البراءة عنكل شيء سوى اللَّه تعالى و قول القائل:كيف السبيل إلى الجمع بين هذين القولين،فهذا السؤال غير مختص به، و ذلك لأنه لانزاع في أنه لا بد من إقامة الطاعات، والاحتراز عن المعاصي و السيئات مع أنانعتقد أن السعيد من سعد في بطن أمه، و أنالشقي من شقي في بطن أمه فكذا ههنا نأكل ونشرب و نحترز عن السموم و عن الدخول فيالنار مع أن الموت و الحياة لا يحصلان إلابتقدير اللَّه تعالى، فكذا ههنا. فظهر أنهذا السؤال