مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
وضعوها في رحالهم، و أما هذا الصواع فإنأحدا لم يعترف بأنه هو الذي وضع الصواع فيرحله فظهر الفرق فلهذا السبب غلب علىظنونهم أنه سرق، فشهدوا بناء على هذاالظن، ثم بينهم غير قاطعين بهذا الأمربقولهم:وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ.و الوجه الثاني: في الجواب أن تقديرالكلام إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ في قول الملكو أصحابه و مثله كثير في القرآن. قال تعالى:إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ[هود: 87] أي عند نفسك، و قال تعالى: ذُقْإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ[الدخان: 49] أي عند نفسك و أما عندنا فلافكذا ههنا.الوجه الثالث: في الجواب أن ابنك ظهر عليهما يشبه السرقة و مثل هذا الشيء يسمىسرقة فإن إطلاق اسم أحد الشبيهين علىالشبيه الآخر جائز في القرآن قال تعالى: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها[الشورى: 40].الوجه الرابع: أن القوم ما كانوا أنبياءفي ذلك الوقت فلا يبعد أن يقال: إنهم ذكرواهذا الكلام على سبيل المجازفة لا سيما و قدشاهدوا شيئا يوهم ذلك.الوجه الخامس: أن ابن عباس رضي اللَّهعنهما كان يقرأ إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَبالتشديد، أي نسب إلى السرقة فهذه القراءةلا حاجة بها إلى التأويل لأن القوم نسبوهإلى السرقة، إلا أنا ذكرنا في هذا الكتابأن أمثال هذه القراآت لا تدفع السؤال، لأنالإشكال إنما يدفع إذا قلنا القراءةالأولى باطلة، و القراءة الحقة هي هذه. أماإذا سلمنا أن القراءة الأولى حقة كانالإشكال باقيا سواء صحت هذه القراءةالثانية أو لم تصح، فثبت أنه لا بد منالرجوع إلى أحد الوجوه المذكورة أما قوله:وَ ما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنافمعناه ظاهر لأنه يدل على أن الشهادة غيرالعلم بدليل قوله تعالى: وَ ما شَهِدْناإِلَّا بِما عَلِمْنا و ذلك يقتضي كونالشهادة مغايرة للعلم و لأنه عليه السلامقال: إذا علمت مثل الشمس فاشهد، و ذلك أيضايقتضي ما ذكرناه و ليست الشهادة أيضاعبارة عن قوله أشهد لأن قوله أشهد إخبار عنالشهادة و الإخبار عن الشهادة غيرالشهادة.إذا ثبت هذا فنقول: الشهادة عبارة عنالحكم الذهني و هو الذي يسميه المتكلمونبكلام النفس، و أما قوله: وَ ما كُنَّالِلْغَيْبِ حافِظِينَ ففيه وجوه: الأول:أنا قد رأينا أنهم أخرجوا الصواع من رحله،و أما حقيقة الحال فغير معلومة لنا فإنالغيب لا يعلمه إلا اللَّه. و الثاني: قالعكرمة معناه: لعل الصواع دس في متاعهبالليل، فإن الغيب اسم لليل على بعضاللغات. و الثالث: قال مجاهد و الحسن وقتادة: و ما كنا نعلم أن ابنك يسرق، و لوعلمنا ذلك ما ذهبنا به إلى الملك و ماأعطيناك موثقا من اللَّه في رده إليك. والرابع: نقل أن يعقوب عليه السلام قال لهم:فهب أنه سرق و لكن كيف عرف الملك أن شرع بنيإسرائيل أن من سرق يسترق، بل أنتم ذكرتموهله لغرض لكم فقالوا عند هذا الكلام: أنا قدذكرنا له هذا الحكم قبل وقوعنا في هذهالواقعة و ما كنا نعلم أن هذه الواقعة نقعفيها فقوله: وَ ما كُنَّا لِلْغَيْبِحافِظِينَ إشارة إلى هذا المعنى.فإن قيل: فهل يجوز من يعقوب عليه السلام أنيسعى في إخفاء حكم اللَّه تعالى على هذاالقول.قلنا: لعله كان ذلك الحكم مخصوصا بما إذاكان المسروق منه مسلما فلهذا أنكر ذكر هذاالحكم عند الملك الذي ظنه كافرا.ثم حكى تعالى عنهم أنهم قالوا: وَ سْئَلِالْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها.