مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
كالأحياء و لا كالأموات، و ذكر أبو روق أنأنس بن مالك قرأ: حَتَّى تَكُونَ حَرَضاًبضم الحاء و تسكين الراء قال يعني مثل عودالأشنان، و قوله: أَوْ تَكُونَ مِنَالْهالِكِينَ أي من الأموات، و معنى الآيةأنهم قالوا لأبيهم إنك لا تزال تذكر يوسفبالحزن و البكاء عليه حتى تصير بذلك إلىمرض لا تنتفع بنفسك معه أو تموت من الغمكأنهم قالوا: أنت الآن في بلاء شديد و نخافأن يحصل ما هو أزيد منه و أقوى و أرادوابهذا القول منعه عن كثرة البكاء و الأسف.فإن قيل: لم حلفوا على ذلك مع أنهم لميعلموا ذلك قطعا؟قلنا: إنهم بنوا هذا الأمر على الظاهر.فإن قيل: القائلون بهذا الكلام و هو قوله:تَاللَّهِ تَفْتَؤُا من هم؟قلنا: الأظهر أن هؤلاء ليسوا هم الإخوةالذين قد تولى عنهم، بل الجماعة الذينكانوا في الدار من أولاد أولاده و خدمه.ثم حكى تعالى عن يعقوب عليه السلام أنهقال: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِيإِلَى اللَّهِيعني أن هذا الذي أذكره لا أذكره معكم وإنما أذكره في حضرة اللَّه تعالى، والإنسان إذا بث شكواه إلى اللَّه تعالىكان في زمرة المحققين كما قال عليه الصلاةو السلام: «أعوذ برضاك من سخطك و أعوذبعفوك من غضبك و أعوذ بك منك» و اللَّه هوالموفق، و البث هو التفريق قال اللَّهتعالى: وَ بَثَّ فِيها مِنْ كُلِّدَابَّةٍ [البقرة: 164] فالحزن إذا سترهالإنسان كان سما و إذا ذكره لغيره كان بثاو قالوا: البث أشد الحزن و الحزن أشد الهم،و ذلك لأنه متى أمكنه أن يمسك لسانه عنذكره لم يكن ذلك الحزن مستوليا عليه و أماإذا عظم و عجز الإنسان عن ضبطه و انطلقاللسان بذكره شاء أم أبى كان ذلك بثا و ذلكيدل على أن الإنسان صار عاجزا عنه و هو قداستولى على الإنسان، فقوله: بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ أي لا أذكر الحزنالعظيم و لا الحزن القليل إلا مع اللَّه، وقرأ الحسن:وَ حُزْنِي بفتحتين و حزني بضمتين، قيل:دخل على يعقوب رجل و قال: يا يعقوب ضعف جسمكو نحف بدنك و ما بلغت سنا عاليا فقال الذيبي لكثرة غمومي، فأوحى اللَّه إليه يايعقوب أتشكوني إلى خلقي، فقال يا رب خطيئةأخطأتها فاغفرها لي فغفرها له، و كان بعدذلك إذا سئل قال: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّيوَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ و روي أنه أوحىاللَّه إليه إنما وجدت عليكم لأنكم ذبحتمشاة فقام ببابكم مسكين فلم تطعموه، و إنأحب خلقي إلي الأنبياء و المساكين فاصنعطعاما و ادع إليه المساكين، و قيل: اشترىجارية مع ولدها فباع ولدها فبكت حتى عميت.ثم قال يعقوب عليه السلام: وَ أَعْلَمُمِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَأي أعلم من رحمته و إحسانه ما لا تعلمون، وهو أنه تعالى يأتي بالفرج من حيث لا أحتسب،فهو إشارة إلى أنه كان يتوقع وصول يوسفإليه. و ذكروا لسبب هذا التوقع أمورا:أحدها: أن ملك الموت أتاه فقال له: يا ملكالموت هل قبضت روح ابني يوسف؟قال لا يا نبي اللَّه ثم أشار إلى جانب مصرو قال: أطلبه ههنا، و ثانيها: أنه علم أنرؤيا يوسف صادقة، لأن أمارات الرشد والكمال كانت ظاهرة في حق يوسف و رؤيا مثلهعليه السلام لا تخطىء، و ثالثها: لعلهتعالى أوحى إليه أنه سيوصله إليه، و لكنهتعالى ما عين الوقت فلهذا بقي في القلق، ورابعها: قال السدي: لما أخبره بنوه بسيرةالملك و كمال حاله في أقواله و أفعاله طمعأن يكون هو يوسف و قال: يبعد أن يظهر فيالكفار مثله،