مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
إليه على سبيل إظهار المعجزات لا وصولالرائحة إليه من هذه المسافة البعيدة أمرمناقض للعادة فيكون معجزة و لا بد من كونهامعجزة لأحدهما و الأقرب أنه ليعقوب عليهالسلام حين أخبر عنه و نسبوه في هذا الكلامإلى ما لا ينبغي، فظهر أن الأمر كما ذكرفكان معجزة له. قال أهل المعاني: إن اللَّهتعالى أوصل إليه ريح يوسف عليه السلام عندانقضاء مدة المحنة و مجيء وقت الروح والفرح من المكان البعيد و منع من وصول خبرهإليه مع قرب إحدى البلدتين من الأخرى فيمدة ثمانين سنة و ذلك يدل على أن كل سهل فهوفي زمان المحنة صعب و كل صعب فهو في زمانالإقبال سهل و معنى: لأجد ريح يوسف أشم وعبر عنه بالوجود لأنه وجدان له بحاسةالشم، و قوله: لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِقال أبو بكر بن الأنباري: أفند الرجل إذاحزن و تغير عقله و فند إذا جهل و نسب ذلكإليه، و عن الأصمعي إذا كثر كلام الرجل منخرف فهو المفند قال صاحب «الكشاف»: يقالشيخ مفند و لا يقال عجوز مفندة، لأنها لميكن في شبيبتها ذات رأي حتى تفند في كبرهافقوله: لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ أي لو لاأن تنسبوني إلى الخرف، و لما ذكر يعقوب ذلكقال الحاضرون عنده: تَاللَّهِ إِنَّكَلَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ و في الضلالههنا وجوه: الأول: قال مقاتل: يعني بالضلالههنا الشقاء، يعني شقاء الدنيا و المعنى:إنك لفي شقائك القديم بما تكابد منالأحزان على يوسف، و احتج مقاتل بقوله:إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ[القمر:24] يعنون لفي شقاء دنيانا، و قال قتادة:لفي ضلالك القديم، أي لفي حبك القديم لاتنساه و لا تذهل عنه و هو كقولهم: إِنَّأَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ [يوسف: 8] ثمقال قتادة: قد قالوا كلمة غليظة و لم يكنيجوز أن يقولوها لنبي اللَّه، و قال الحسنإنما خاطبوه بذلك لاعتقادهم أن يوسف قدمات و قد كان يعقوب في و لوعه بذكره، ذاهباعن الرشد و الصواب و قوله: فَلَمَّا أَنْجاءَ الْبَشِيرُ في «أن» قولان: الأول: أنهلا موضع لها من الإعراب و قد تذكر تارة كماههنا، و قد تحذف كقوله: فَلَمَّا ذَهَبَعَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ [هود: 74] والمذهبان جميعا موجودان في أشعار العرب. والثاني: قال البصريون هي مع «ما» في موضعرفع بالفعل المضمر تقديره:فلما ظهر أن جاء البشير، أي ظهر مجيءالبشير فأضمر الرافع قال جمهور المفسرينالبشير هو يهوذا قال أنا ذهبت بالقميصالملطخ بالدم و قلت إن يوسف أكله الذئبفأذهب اليوم بالقميص فأفرحه كما أحزنتهقوله:أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ أي طرح البشيرالقميص على وجه يعقوب أو يقال ألقاه يعقوبعلى وجه نفسه فَارْتَدَّ بَصِيراً أي رجعبصيرا و معنى الارتداد انقلاب الشيء إلىحالة قد كان عليها و قوله: فَارْتَدَّبَصِيراً أي صيره اللَّه بصيرا كما يقالطالت النخلة و اللَّه تعالى أطالها واختلفوا فيه فقال بعضهم: إنه كان قد عميبالكلية فاللَّه تعالى جعله بصيرا في هذاالوقت. و قال آخرون: بل كان قد ضعف بصره منكثرة البكاء و كثرة الأحزان، فلما ألقواالقميص على وجهه، و بشر بحياة يوسف عليهالسلام عظم فرحه و انشرح صدره و زالتأحزانه، فعند ذلك قوي بصره و زال النقصانعنه، فعند هذا قال: أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْإِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لاتَعْلَمُونَ و المراد علمه بحياة يوسف منجهة الرؤيا، لأن هذا المعنى هو الذي لهتعلق بما تقدم، و هو إشارة إلى ما تقدم منقوله:إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِيإِلَى اللَّهِ وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِما لا تَعْلَمُونَ [يوسف: 86] روي أنه سألالبشير و قال: كيف يوسف قال هو ملك مصر،قال: ما أصنع بالملك على أي دين تركته قال:على دين الإسلام قال: الآن تمت النعمة، ثمإن أولاد يعقوب أخذوا يعتذرون إليه وقالُوا يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَناذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ قالَسَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وظاهر الكلام أنه لم يستغفر لهم في الحال،بل و عدهم بأنه يستغفر لهم بعد ذلك، واختلفوا في سبب هذا المعنى على وجوه:الأول: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: والأكثرون