مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
اعلم أن قوله تعالى مخبرا عن لوط عليهالسلام أنه قال: لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْقُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ[هود: 80] يدل على أنه كان في غاية القلق والحزن بسبب إقدام أولئك الأوباش على مايوجب الفضيحة في حق أضيافه، فلما رأتالملائكة تلك الحالة بشروه بأنواع منالبشارات: أحدها: أنهم رسل اللَّه. وثانيها: أن الكفار لا يصلون إلى ما هموا به.و ثالثها: أنه تعالى يهلكهم. و رابعها: أنهتعالى ينجيه مع أهله من ذلك العذاب. وخامسها: إن ركنك شديد و إن ناصرك هو اللَّهتعالى فحصل له هذه البشارات، و روي أنجبريل عليه السلام قال له إن قومك لن يصلواإليك فافتح الباب فدخلوا فضرب جبريل عليهالسلام بجناحه وجوههم فطمس أعينهمفأعماهم فصاروا لا يعرفون الطريق و لايهتدون إلى بيوتهم، و ذلك قوله تعالى: وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِفَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ [القمر: 37] و معنىقوله: لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ أي بسوء ومكروه فإنا نحول بينهم و بين ذلك.ثم قال: فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ قرأ نافع وابن كثير فاسر موصولة و الباقون بقطعالألف و هما لغتان، يقال سريت بالليل وأسريت و أنشد حسان:أسرت إليك و لم تكن تسريفجاء باللغتين فمن قرأ بقطع الألف فحجتهقوله سبحانه و تعالى: سُبْحانَ الَّذِيأَسْرى بِعَبْدِهِ [الإسراء: 1] و من وصلفحجته قوله: وَ اللَّيْلِ إِذا يَسْرِ[الفجر: 4] و السرى السير في الليل. يقال: سرىيسري إذا سار بالليل و أسرى بفلان إذا سيربه بالليل، و القطع من الليل بعضه و هو مثلالقطعة، يريد اخرجوا ليلا لتسبقوا نزولالعذاب الذي موعده الصبح. قال نافع بنالأزرق لعبد اللَّه بن عباس رضي اللَّهعنهما: أخبرني عن قول اللَّه بِقِطْعٍمِنَ اللَّيْلِ قال هو آخر الليل سحر، وقال قتادة: بعد طائفة من الليل، و قالآخرون هو نصف الليل فإنه في ذلك الوقت قطعبنصفين.ثم قال: وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌنهى من معه عن الالتفات و الالتفات نظرالإنسان إلى ما و راءه، و الظاهر أن المرادأنه كان لهم في البلدة أموال و أقمشة وأصدقاء، فالملائكة أمروهم بأن يخرجوا ويتركوا تلك الأشياء و لا يلتفتوا إليهاألبتة، و كان المراد منه قطع القلب عن تلكالأشياء و قد يراد منه الانصراف أيضا.كقوله تعالى: قالُوا أَ جِئْتَنالِتَلْفِتَنا [يونس: 78] أي لتصرفنا، و علىهذا التقدير فالمراد من قوله: وَ لايَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ النهي عنالتخلف.ثم قال: إِلَّا امْرَأَتَكَ قرأ ابن كثيرو أبو عمر إِلَّا امْرَأَتَكَ بالرفع والباقون بالنصب. قال الواحدي:من نصب و هو الاختيار فقد جعلها مستثناةمن الأهل على معنى فأسر بأهلك إلا امرأتك والذي يشهد بصحة هذه القراءة أن في قراءةعبد اللَّه فأسر بأهلك إلا امرأتك فأسقطقوله: وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌمن هذا الموضع، و أما الذين رفعوافالتقدير وَ لا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْأَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ.فإن قيل: فهذه القراءة توجب أنها أمرتبالالتفات لأن القائل إذا قال لا يقم منكمأحد إلا زيد كان ذلك أمرا لزيد بالقيام.و أجاب أبو بكر الأنباري عنه فقال: معنىإِلَّا ههنا الاستثناء المنقطع على معنى،لا يلتفت منكم أحد،