مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
أنه ظرف و التقدير: مدة استطاعتي للإصلاحو ما دمت متمكنا منه لا آلو فيه جهدا. والثاني: أنه بدل من الإصلاح، أي المقدارالذي استطعت منه. و الثالث: أن يكون مفعولاله أي ما أريد إلا أن أصلح ما استطعتإصلاحه.و اعلم أن المقصود من هذا الكلام أن القومكانوا قد أقروا بأنه حليم رشيد، و إماأقروا له بذلك لأنه كان مشهورا فيما بينالخلق بهذه الصفة، فكأنه عليه السلام قاللهم إنكم تعرفون من حالي أني لا أسعى إلافي الإصلاح و إزالة الفساد و الخصومة،فلما أمرتكم بالتوحيد و ترك إيذاء الناس،فاعلموا أنه دين حق و أنه ليس غرضي منهإيقاع الخصومة و إثارة الفتنة، فإنكمتعرفون أني أبغض ذلك الطريق و لا أدور إلاعلى ما يوجب الصلح و الصلاح بقدر طاقتي، وذلك هو الإبلاغ و الإنذار، و أما الإجبارعلى الطاعة فلا أقدر عليه، ثم إنه عليهالسلام أكد ذلك بقوله: وَ ما تَوْفِيقِيإِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُوَ إِلَيْهِ أُنِيبُ و بين بهذا أن توكله واعتماده في تنفيذ كل الأعمال الصالحة علىتوفيق اللَّه تعالى و هدايته.و اعلم أن قوله عليه السلام توكلت إشارةإلى محض التوحيد، لأن قوله عليه السلامتوكلت يفيد الحصر، و هو أنه لا ينبغيللإنسان أن يتوكل على أحد إلا على اللَّهتعالى و كيف و كل ما سوى الحق سبحانه ممكنلذاته فإن بذاته، و لا يحصل إلا بإيجاده وتكوينه، و إذا كان كذلك لم يجز التوكل إلاعلى اللَّه تعالى و أعظم مراتب معرفةالمبدأ هو الذي ذكرناه، و أما قوله: وَإِلَيْهِ أُنِيبُ فهو إشارة إلى معرفةالمعاد، و هو أيضا يفيد الحصر لأن قوله: وَإِلَيْهِ أُنِيبُ يدل على أنه لا مرجعللخلق إلا إلى اللَّه تعالى و عن رسولاللَّه صلّى الله عليه وسلّم أنه كان إذاذكر شعيب عليه السلام قال: «ذاك خطيبالأنبياء» لحسن مراجعته في كلامه بينقومه.و أما الوجه الرابع: من الوجوه التي ذكرهاشعيب عليه السلام فهو قوله: وَ يا قَوْمِلا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْيُصِيبَكُمْقال صاحب «الكشاف»: جرم مثل كسب في تعديتهتارة إلى مفعول و احد و أخرى إلى مفعولينيقال جرم ذنبا و كسبه و جرمه ذنبا و كسبهإياه، و منه قوله تعالى: لايَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْيُصِيبَكُمْ أي لا يكسبنكم شقاقي إصابةالعذاب، و قرأ ابن كثير يَجْرِمَنَّكُمْبضم الياء من أجرمته ذنبا إذا جعلته جارماله أي كاسبا له.و هو منقول من جرم المتعدي إلى مفعول واحد، و على هذا فلا فرق بين جرمته ذنبا وأجرمته إياه، و القراءتان مستويتان فيالمعنى لا تفاوت بينهما إلا أن المشهورةأفصح لفظا كما أن كسبه مالا أفصح من أكسبه.إذا عرفت هذا فنقول: المراد من الآية لاتكسبنكم معاداتكم إياي أي يصيبكم عذابالاستئصال في الدنيا مثل ما حصل لقوم نوحعليه السلام من الغرق، و لقوم هود من الريحالعقيم و لقوم صالح من الرجفة، و لقوم لوطمن الخسف.و أما قوله: وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْبِبَعِيدٍ ففيه وجهان: الأول: أن المرادنفي البعد في المكان لأن بلاد قوم لوط عليهالسلام قريبة من مدين، و الثاني: أن المرادنفي البعد في الزمان لأن إهلاك قوم لوطعليه السلام أقرب الإهلاكات التي عرفهاالناس في زمان شعيب عليه السلام، و علىهذين التقديرين فإن القرب في المكان و فيالزمان يفيد زيادة المعرفة و كمال الوقوفعلى الأحوال فكأنه يقول اعتبروا بأحوالهمو احذروا من مخالفة اللَّه تعالى ومنازعته حتى لا ينزل بكم مثل ذلك العذاب.