مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
إنه فاعل مختار و هم أكثر أهل العالم، ثمهؤلاء فريقان: منهم من يقول: إنه ما أرسلرسولا إلى العباد، و منهم من يقول: إنهأرسل الرسول، فالأولون هم البراهمة.و القسم الثاني أرباب الشرائع و الأديان،و هم المسلمون و النصارى و اليهود والمجوس، و في كل و احد من هذه الطوائفاختلافات لا حد لها و لا حصر، و العقولمضطربة، و المطالب غامضة، و منازعات الوهمو الخيال غير منقطعة، و لما حسن من بقراطأن يقول في صناعة الطب العمر قصير، والصناعة طويلة، و القضاء عسر، و التجربةخطر، فلأن يحسن ذكره في هذه المطالبالعالية و المباحث الغامضة، كان ذلك أولى.فإن قيل: إنكم حملتم قوله تعالى: وَ لايَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ على الاختلاف فيالأديان، فما الدليل عليه، و لم لا يجوز أنيحمل على الاختلاف في الألوان و الألسنة والأرزاق و الأعمال.قلنا: الدليل عليه أن ما قبل هذه الآية هوقوله: وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَالنَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً فيجب حمل هذاالاختلاف على ما يخرجهم من أن يكونوا أمة واحدة، و ما بعد هذه الآية هو قوله: إِلَّامَنْ رَحِمَ رَبُّكَ فيجب حمل هذاالاختلاف على معنى يصح أن يستثنى منه قوله:إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ و ذلك ليس إلاما قلنا.ثم قال تعالى: إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَاحتج أصحابنا بهذه الآية على أن الهداية والإيمان لا تحصل إلا بتخليق اللَّه تعالى،و ذلك لأن هذه الآية تدل على أن زوالالاختلاف في الدين لا يحصل إلا لمن خصهاللَّه برحمته، و تلك الرحمة ليست عبارةعن إعطاء القدرة و العقل، و إرسال الرسل، وإنزال الكتب، و إزاحة العذر، فإن كل ذلكحاصل في حق الكفار، فلم يبق إلا أن يقال:تلك الرحمة هو أنه سبحانه خلق فيه تلكالهداية و المعرفة. قال القاضي معناه: إلامن رحم ربك بأن يصير من أهل الجنة والثواب، فيرحمه اللَّه بالثواب، و يحتملإلا من رحمة اللَّه بألطافه، فصار مؤمنابألطافه و تسهيله، و هذان الجوابان فيغاية الضعف.أما الأول: فلأن قوله: وَ لا يَزالُونَمُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَرَبُّكَ يفيد أن ذلك الاختلاف إنما زالبسبب هذه الرحمة، فوجب أن تكون هذه الرحمةجارية مجرى السبب المتقدم على زوال هذاالاختلاف، و الثواب شيء متأخر عن زوالهذا الاختلاف، فالاختلاف جار مجرى المسببله، و مجرى المعلول، فحمل هذه الرحمة علىالثواب بعيد.و أما الثاني: و هو حمل هذه الرحمة علىالألطاف فنقول: جميع الألطاف التي فعلهافي حق المؤمن فهي مفعولة أيضا في حقالكافر، و هذه الرحمة أمر مختص به المؤمن،فوجب أن يكون شيئا زائدا على تلك الألطاف،و أيضا فحصول تلك الألطاف هل يوجب رجحانوجود الإيمان على عدمه أو لا يوجبه، فإن لميوجبه كان وجود تلك الألطاف و عدمهابالنسبة إلى حصول هذا المقصود سيان، فلميك لطفا فيه، و إن أوجب الرجحان فقد بينافي «الكتب العقلية» أنه متى حصل الرجحانفقد وجب، و حينئذ يكون حصول الإيمان مناللَّه، و مما يدل على أن حصول الإيمانلايكون إلا بخلق اللَّه، أنه ما لم يتميزالإيمان عن الكفر، و العلم عن الجهل،امتنع القصد إلى تكوين الإيمان و العلم، وإنما يحصل هذا الامتياز إذا علم كون أحدهذين الاعتقادين مطابقا للمعتقد و كونالآخر ليس كذلك، و إنما يصح حصول هذاالعلم، أن لو عرف أن ذلك المعتقد في نفسهكيف يكون، و هذا يوجب أنه لا يصح من العبدالقصد إلى تكوين العلم بالشيء إلا بعد أنكان عالما، و ذلك