مفاتیح الشرائع جلد 18
لطفا منتظر باشید ...
أولى، فلما حصلت هذه الأمارات الكثيرةالدالة على أن مبدأ هذه الفتنة كان منالمرأة استحيا الزوج و توقف و سكت لعلمهبأن يوسف صادق و المرأة كاذبة، ثم إنهتعالى أظهر ليوسف عليه السلام دليلا آخريقوي تلك الدلائل المذكورة و يدل على أنهبريء عن الذنب و أن المرأة هي المذنبة، وهو قوله: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وفي هذا الشاهد ثلاثة أقوال: الأول: أنه كانلها ابن عم و كان رجلا حكيما و اتفق في ذلكالوقت أنه كان مع الملك يريد أن يدخل عليهافقال قد سمعنا الجلبة من و راء الباب و شقالقميص إلا أنا لا ندري أيكما قدام صاحبه،فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة والرجل كاذب و إن كان من خلفه فالرجل صادق وأنت كاذبة فلما نظروا إلى القميص و رأواالشق من خلفه، قال ابن عمها: إِنَّهُ مِنْكَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌأي من عملكن. ثم قال ليوسف أعرض عن هذا واكتمه، و قال لها استغفري لذنبك، و هذا قولطائفة عظيمة من المفسرين. و الثاني: و هوأيضا منقول عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسعيد بن جبير و الضحاك: إن ذلك الشاهد كانصبيا أنطقه اللَّه تعالى في المهد، فقالابن عباس: تكلم في المهد أربعة صغار شاهديوسف، و ابن ماشطة بنت فرعون، و عيسى ابنمريم، و صاحب جريج الراهب قال الجبائي: والقول الأول أولى لوجوه:الأول: أنه تعالى لو أنطق الطفل بهذاالكلام لكان مجرد قوله إنها كاذبة كافيا وبرهانا قاطعا، لأنه من البراهين القاطعةالقاهرة، و الاستدلال بتمزيق القميص منقبل و من دبر دليل ظني ضعيف و العدول عنالحجة القاطعة حال حضورها و حصولها إلىالدلالة الظنية لا يجوز. الثاني: أنه تعالىقال: وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها وإنما قال من أهلها ليكون أولى بالقبول فيحق المرأة لأن الظاهر من حال من يكون منأقرباء المرأة و من أهلها أن لا يقصدهابالسوء و الإضرار، فالمقصود بذكر كون ذلكالرجل من أهلها تقوية قول ذلك الرجل و هذهالترجيحات إنما يصار إليها عند كونالدلالة ظنية، و لو كان هذا القول صادرا عنالصبي الذي في المهد لكان قوله حجة قاطعة ولا يتفاوت الحال بين أن يكون من أهلها، وبين أن لا يكون من أهلها و حينئذ لا يبقىلهذا القيد أثر. و الثالث: أن لفظ الشاهد لايقع في العرف إلا على من تقدمت له معرفةبالواقعة و إحاطة بها.و القول الثالث: أن ذلك الشاهد هو القميص،قال مجاهد: الشاهد كون قميصه مشقوقا مندبر، و هذا في غاية الضعف لأن القميص لايوصف بهذا و لا ينسب إلى الأهل. و اعلم أنالقول الأول عليه أيضا إشكال و ذلك لأنالعلامة المذكورة لا تدل قطعا على براءةيوسف عليه السلام عن المعصية لأن منالمحتمل أن الرجل قصد المرأة لطلب الزنافالمرأة غضبت عليه فهرب الرجل فعدت المرأةخلف الرجل و جذبته لقصد أن تضربه ضرباوجيعا فعلى هذا الوجه يكون القميص متخرقامن دبر مع أن المرأة تكون برية عن الذنب والرجل يكون مذنبا.و جوابه: أنا بينا أن علامات كذب المرأةكانت كثيرة بالغة مبلغ اليقين فضموا إليهاهذه العلامة الأخرى لا لأجل أن يعولوا فيالحكم عليها، بل لأجل أن يكون ذلك جاريامجرى المقويات و المرجحات.ثم إنه تعالى أخبر و قال: فَلَمَّا رَأىقَمِيصَهُ و ذلك يحتمل السيد الذي هوزوجها و يحتمل الشاهد فلذلك اختلفوا فيه،قال: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ أي أن قولكما جزاء من أراد بأهلك سوءا من كيدكن إنكيدكن عظيم.فإن قيل: إنه تعالى لما خلق الإنسان ضعيفافكيف وصف كيد المرأة بالعظم، و أيضا فكيدالرجال قد يزيد على كيد النساء.