مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
النبي صلّى الله عليه وسلّم أقام في غزوةتبوك شهرين ينزل عليه القرآن، و يعيبالمنافقين المتخلفين. فقال الجلاس بنسويد:
و اللّه لئن كان ما يقوله محمد في إخوانناالذين خلفناهم في المدينة حقا مع أنهمأشرافنا، فنحن شر من الحمير، فقال عامر بنقيس الأنصاري للجلاس: أجل و اللّه إن محمداصادق، و أنت شر من الحمار. و بلغ ذلك إلىرسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فاستحضرالجلاس، فحلف باللّه أنه ما قال، فرفععامر يده و قال: اللهم أنزل على عبدك و نبيكتصديق الصادق و تكذيب الكاذب، فنزلت هذهالآية. فقال الجلاس: لقد ذكر اللّه التوبةفي هذه الآية، و لقد قلت هذا الكلام و صدقعامر، فتاب الجلاس، و حسنت توبته. الثاني:روي أنها نزلت في عبد اللّه بن أبي لما قاللئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منهاالأذل، و أراد به الرسول صلّى الله عليهوسلّم. فسمع زيد بن أرقم ذلك و بلغه إلىالرسول، فهم عمر بقتل عبد اللّه بن أبي،فجاء عبد اللّه و حلف أنه لم يقل، فنزلتهذه الآية. الثالث: روى قتادة أن رجليناقتتلا أحدهما من جهينة و الآخر من غفار،فظهر الغفاري على الجهيني، فنادى عبداللّه بن أبي:
يا بني الأوس انصروا أخاكم، و اللّه مامثلنا و مثل محمد إلا كما قيل: سمن كلبكيأكلك. فذكروه للرسول عليه السلام، فأنكرعبد اللّه، و جعل يحلف. قال القاضي: يبعد أنيكون المراد من الآية هذه الوقائع و ذلكلأن قوله: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ماقالُوا وَ لَقَدْ قالُوا كَلِمَةَالْكُفْرِ إلى آخر الآية كلها صيغ الجموع،و حمل صيغة الجمع على الواحد، خلاف الأصل.
فإن قيل: لعل ذلك الواحد. قال في محفل و رضيبه الباقون.
قلنا: هذا أيضا خلاف الظاهر لأن إسنادالقول إلى من سمعه و رضي به خلاف الأصل، ثمقال: بلى الأولى أن تحمل هذه الآية على ماروي: أن المنافقين هموا بقتله عند رجوعه منتبوك و هم خمسة عشر تعاهدوا أن يدفعوه عنراحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبةبالليل، و كان عمار بن ياسر آخذا بالخطامعلى راحلته و حذيفة خلفها يسوقها، فسمعحذيفة وقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح،فالتفت، فإذا قوم متلثمون. فقال:
إليكم إليكم يا أعداء اللّه، فهربوا. والظاهر أنهم لما اجتمعوا لذلك الغرض، فقدطعنوا في نبوته و نسبوه إلى الكذب و التصنعفي ادعاء الرسالة، و ذلك هو قول كلمة الكفرو هذا القول اختيار الزجاج.
فأما قوله: وَ كَفَرُوا بَعْدَإِسْلامِهِمْ
فلقائل أن يقول: إنهم أسلموا، فكيف يليقبهم هذا الكلام؟
و الجواب من وجهين: الأول: المراد منالإسلام السلم الذي هو نقيض الحرب، لأنهملما نافقوا، فقد أظهروا الإسلام، و جنحواإليه، فإذا جاهروا بالحرب، وجب حربهم. والثاني: أنهم أظهروا الكفر بعد أن أظهرواالإسلام.
و أما قوله: وَ هَمُّوا بِما لَمْيَنالُوا
المراد إطباقهم على الفتك بالرسول، واللّه تعالى أخبر الرسول عليه السلام بذلكحتى احترز عنهم، و لم يصلوا إلى مقصودهم.
و أما قوله: وَ ما نَقَمُوا إِلَّا أَنْأَغْناهُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنْفَضْلِهِ ففيه بحثان:
البحث الأول:
أن في هذا الفضل وجهين:
الأول: أن هؤلاء المنافقين كانوا قبل قدومالنبي صلّى الله عليه وسلّم المدينة فيضنك من العيش، لا يركبون الخيل و لا يحوزونالغنيمة، و بعد قدومه أخذوا الغنائم وفازوا بالأموال و وجدوا الدولة، و ذلكيوجب عليهم أن يكونوا محبين له مجتهدين فيبذل النفس و المال لأجله. و الثاني:
روي أنه قتل للجلاس مولى، فأمر رسول اللّهصلّى الله عليه وسلّم بديته اثني عشر ألفافاستغنى.