مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
و اعلم أن هذه الإشارة اشتملت على أنواعمن الدرجات العالية و أنه تعالى ابتدأفيها بالأشرف فالأشرف، نازلا إلى الأدونفالأدون، و نحن نفسرها تارة على طريقالمتكلمين و أخرى على طريقة العارفين.أما الأول فنقول: فالمرتبة الأولى منها وهي أعلاها و أشرفها كون تلك البشارة حاصلةمن ربهم بالرحمة و الرضوان، و هذا هوالتعظيم و الإجلال من قبل الله. و قوله: وَجَنَّاتٍ لَهُمْ إشارة إلى حصول المنافعالعظيمة و قوله: فِيها نَعِيمٌ إشارة إلىكون المنافع خالصة عن المكدرات لأن النعيممبالغة في النعمة، و لا معنى للمبالغة فيالنعمة إلا خلوها عن ممازجة الكدورات وقوله: مُقِيمٌ عبارة عن كونها دائمة غيرمنقطعة. ثم إنه تعالى عبر عن دوامها بثلاثعبارات: أولها: مُقِيمٌ و ثانيها: قوله:خالِدِينَ فِيها و ثالثها: قوله: أَبَداًفحصل من مجموع ما ذكرنا أنه تعالى يبشرهؤلاء المؤمنين المهاجرين المجاهدينبمنفعة خالصة دائمة مقرونة بالتعظيم، وذلك هو حد الثواب. و فائدة تخصيص هؤلاءالمؤمنين بكون هذا الثواب كامل الدرجةعالي الرتبة بحسب كل واحد من هذه القيودالأربعة. و من المتكلمين من قال قوله:يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍمِنْهُ المراد منه خيرات الدنيا و قوله: وَرِضْوانٍ لهم المراد منه كونه تعالى راضياعنهم حال كونهم في الحياة الدنيا و قوله:وَ جَنَّاتٍ المراد منه المنافع و قوله:لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ المراد منه كون تلكالنعم خالصة عن المكدرات، لأن النعيممبالغة في النعمة و قوله: مُقِيمٌخالِدِينَ فِيها أَبَداً المراد منهالإجلال و التعظيم الذي يجب حصوله فيالثواب.و أما تفسير هذه الآية على طريقة العارفينالمحبين المشتاقين فنقول: المرتبة الأولىمن الأمور المذكورة في هذه الآية قوله:يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ.و اعلم أن الفرح بالنعمة يقع على قسمين:أحدهما: أن يفرح بالنعمة لأنها نعمة. والثاني: أن يفرح بها لا من حيث هي بل من حيثإن المنعم خصه بها و شرفه و إن عجز ذهنك عنالوصول إلى الفرق بين القسمين فتأمل فيماإذا كان العبد واقفا في حضرة السلطانالأعظم و سائر العبيد كانوا واقفين فيخدمته، فإذا رمى ذلك السلطان تفاحة إلىأحد أولئك العبيد عظم فرحه بها فذلك الفرحالعظيم ما حصل بسبب حصول تلك التفاحة، بلبسبب أن ذلك السلطان خصه بذلك الإكرام،فكذلك ههنا. قوله: يُبَشِّرُهُمْرَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍمنهم من كان فرحهم بسبب الفوز بتلكالرحمة، و منهم من لم يفرح بالفوز بتلكالرحمة، و إنما فرح لأن مولاه خصه بتلكالرحمة و حينئذ يكون فرحه لا بالرحمة بلبمن أعطى الرحمة، ثم إن هذا المقام يحصلفيه أيضا درجات فمنهم من يكون فرحهبالراحم لأنه رحم، و منهم من يتوغل فيالخلوص فينسى الرحمة و لا يكون فرحه إلابالمولى لأنه هو المقصد، و ذلك لأن العبدما دام مشغولا بالحق من حيث إنه راحم فهوغير مستغرق في الحق، بل تارة مع الحق وتارة مع الخلق، و فإذا تم الأمر انقطع عنالخلق و غرق في بحر نور الحق و غفل عنالمحبة و المحنة، و النقمة و النعمة، والبلاء و الآلاء، و المحققون وقفوا عندقوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ فكانابتهاجهم بهذا و سرورهم به و تعويلهم عليهو رجوعهم إليه و منهم من لم يصل إلى تلكالدرجة العالية فلا تقنع نفسه إلا بمجموعقوله: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْبِرَحْمَةٍ مِنْهُ فلا يعرف أن الاستبشاربسماع قول ربهم، بل إنما يستبشر بمجموعكونه مبشرا بالرحمة، و المرتبة الثانية هيأن يكون استبشاره بالرحمة و ههذ المرتبةهي النازلة عند المحققين. و اللطيفةالثانية من لطائف هذه الآية هي أنه تعالىقال: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ و هي مشتملةعلى أنواع