مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
عن أسرار الأخلاق، أن الأصل في جبلةالحيوان الخير أو الشر؟ فمنهم من قال:الأصل فيها الشر، و هذا كالإجماع المنعقدبين جميع أفراد الإنسان، بل نزيد و نقول:إنه كالإجماع المنعقد بين جميع الحيوان، والدليل عليه أن كل إنسان يرى إنسانا يعدوإليه مع أنه لا يعرفه، فإن طبعه يحمله علىالاحتراز عنه و التأهب لدفعه، و لو لا أنطبعه يشهد بأن الأصل في الإنسان الشر، وإلا لما أوجبت فطرة العقل التأهب لدفع شرذلك الساعي إليه، بل قالوا: هذا المعنىحاصل في كل الحيوانات، فإن كل حيوان عداإليه حيوان آخر فر ذلك الحيوان الأول واحترز منه، فلو تقرر في طبعه أن الأصل فيهذا الواصل هو الخير لوجب أن يقف، لأن أصلالطبيعة يحمل على الرغبة في وجدان الخير،و لو كان الأصل في طبع الحيوان أن يكونخيره و شره على التعادل و التساوي، وجب أنيكون الفرار و الوقوف متعادلين، فلما لميكن الأمر كذلك بل كل حيوان نوجه إليهحيوان مجهول الصفة عند الأول، فإن ذلكالأول يحترز عنه بمجرد فطرته الأصلية،علمنا أن الأصل في الحيوان هو الشر.إذا ثبت هذا فنقول: دفع الشر أهم من جلبالخير، و يدل عليه وجوه: الأول: أن دفع الشريقتضي إبقاء الأصل أهم من تحصيل الزائد. والثاني: أن إيصال الخير إلى كل أحد ليس فيالوسع، أما كف الشر عن كل أحد داخل فيالوسع، لأن الأول فعل و الثاني ترك، و فعلما لا نهاية له غير ممكن، أما ترك ما لانهاية له ممكن، و الثالث: أنه إذا لم يحصلدفع الشر فقد حصل الشر، و ذلك يوجب حصولالألم و الحزن، و هو فى غاية المشقة، و أمااذا لم يحصل أيضا إيصال الخير بقي الإنسانلا في الخير و لا في الشر، بل على السلامةالأصلية، و تحمل هذه الحالة سهل. فثبت أندفع الشر أهم من ايصال الخير، و ثبت أنالدنيا دار الشرور و الآفات و المحن والبليات، و ثبت أن الحيوان في أصل الخلقة وموجب الفطرة منشأ للشرور، و إذا وصل إنسانإلى إنسان كان أهم المهمات أن يعرفه أنهمنه في السلامة و الأمن و الأمان، فلهذاالسبب وقع الاصطلاح على أن يقع ابتداءالكلام بذكر السلام، و هو أن يقول «سلامعليكم» و من لطائف قولنا «سلام عليكم» أنظاهره يقتضي إيقاع السلام على جماعة، والأمر كذلك بحسب العقل، و بحسب الشرع. أمابحسب الشرع فلأن القرآن دل على أن الإنسانلا يخلو عن جمع من الملائكة يحفظونه ويراقبون أمره، كما قال تعالى: وَ إِنَّعَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماًكاتِبِينَ [الانفطار: 10، 11] و العقل أيضايدل عليه، و ذلك لأن الأرواح البشريةأنواع مختلفة، فبعضها أرواح خيرة عاقلة، وبعضها كدرة خبيثة، و بعضها شهوانية، وبعضها غضبية، و لكل طائفة من طوائفالأرواح البشرية السفلية روح علوي قوييكون كالأب لتلك الأرواح البشرية، و تكونهذه الأرواح بالنسبة إلى ذلك الروح العلويكالأبناء بالنسبة إلى الأب، و ذلك الروحالعلوي هو الذي يخصها بالإلهامات، تارة فياليقظة، و تارة في النوم. و أيضا الأرواحالمفارقة عن أبدانها المشاكلة لهذهالأرواح في الصفات و الطبيعة و الخاصية.يحصل لها نوع تعلق بهذا البدن بسببالمشاكلة و المجانسة، و تصير كالمعاونةلهذه الروح على أعمالها إن خيرا فخير و أنشرا فشر. و إذا عرفت هذا السر فالإنسانلابد و أن يكون مصحوبا بتلك الأرواحالمجانسة له، فقوله: «سلام عليكم» إشارةإلى تسليم هذا الشخص المخصوص على جميعالأرواح الملازمة المصاحبة إياه بسببالمصاحبة الروحانية. و من لطائف هذا البابأن الأرواح الإنسانية إذا اتصفت بالمعارفالحقيقية و الأخلاق الفاضلة، و قويت وتجردت، ثم قوي تعلق بعضها ببعض انعكسأنوارها بعضها على بعض