قال أبو عبيدة: الشفاالشفير، و شفا الشيء حرفه،و منه يقال أشفى على كذا إذا دنا منه، والجرف هو ما إذا سال السيل و انحرف الواديو يبقى على طرف السيل طين واه مشرف علىالسقوط ساعة فساعة. فذلك الشيء هو الجرف،و قوله: هارٍ قال الليث: الهور مصدر هارالجرف يهور، إذا انصدع من خلفه، و هو ثابتبعد في مكانه، و هو جرف هار هائر، فإذا سقطفقد انهار و تهور.إذا عرفت هذه الألفاظ فنقول: المعنى أفمنأسس بنيان دينه على قاعدة قوية محكمة و هيالحق الذي هو تقوى اللّه و رضوانه خير، أمنأسس على قاعدة هي أضعف القواعد و أقلهابقاء، و هو الباطل؟ و النفاق الذي مثله مثلشفا جرف هار من أودية جهنم فلكونه شَفاجُرُفٍ هارٍ كان مشرفا على السقوط، ولكونه على طرف جهنم، كان إذا انهار فإنماينهار في قعر جهنم، و لا نرى في العالممثالا أكثر مطابقة لأمر المنافقين من هذاالمثال! و حاصل الكلام أن أحد البناءين قصدبانيه ببنائه تقوى اللّه و رضوانه، والبناء الثاني قصد بانيه ببنائه المعصية والكفر، فكان البناء الأول شريفا واجبالإبقاء، و كان الثاني خسيسا واجب الهدم.ثم قال تعالى: لا يَزالُ بُنْيانُهُمُالَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِيقُلُوبِهِمْو المعنى: أن بناء ذلك البنيان صار سببالحصول الريبة في قلوبهم، فجعل نفس ذلكالبنيان ريبة لكونه سببا للريبة. و في كونهسببا للريبة وجوه:الأول: أن المنافقين عظم فرحهم ببناء مسجدالضرار، فلما أمر الرسول صلّى الله عليهوسلّم بتخريبه ثقل ذلك عليهم و ازدادبغضهم له و ازداد ارتيابهم في نبوته.الثاني: أن الرسول عليه الصلاة و السلاملما أمر بتخريب ذلك المسجد ظنوا أنه إنماأمر بتخريبه لأجل الحسد، فارتفع أمانهمعنه و عظم خوفهم منه في كل الأوقات، وصاروا مرتابين في أنه هل يتركهم على ما همفيه أو يأمر بقتلهم و نهب أموالهم؟ الثالث:أنهم اعتقدوا أنهم كانوا محسنين في بناءذلك المسجد، فلما أمر الرسول عليه الصلاةو السلام بتخريبه بقوا شاكين مرتابين فيأنه لأي سبب أمر بتخريبه؟ الرابع: بقواشاكين مرتابين في أن اللّه تعالى هل يغفرتلك المعصية؟ أعني سعيهم في بناء ذلكالمسجد، و الصحيح هو الوجه الأول.ثم قال: إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَقُلُوبُهُمْو فيه مباحث:
البحث الأول:
قرأ ابن عامر و حفص عن عاصم وحمزة أَنْ تَقَطَّعَ بفتح التاء و الطاءمشددة بمعنى تتقطع، فحذفت إحدى التاءين، والباقون بضم التاء و تشديد الطاء على ما لميسم فاعله، و عن ابن كثير تَقَطَّعَ بفتحالطاء و تسكين القاف قُلُوبِهِمْ بالنصبأي تفعل أنت بقلوبهم هذا القطع، و قوله:تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ أي تجعل قلوبهمقطعا، و تفرق أجزاء إما بالسيف و إمابالحزن و البكاء، فحينئذ تزول تلك الريبة.و المقصود أن هذه الريبة باقية في قلوبهمأبدا و يموتون على هذا النفاق. و قيل: معناهإلا أن يتوبوا توبة تنقطع بها قلوبهم ندماو أسفا على تفريطهم. و قيل حتى تنشق قلوبهمغما و حسرة، و قرأ الحسن إلى أن و في قراءة