من مباحث الفقهاء الأسبابالتي توجب لغير المالك التصرف في الشيء،و هو باب الوكالة و الوديعة و غيرهما.
و النوع الثالث:
الأسباب التي تمنع المالكمن التصرف في ملك نفسه، و هو الرهن والتفليس و الإجارة و غيرها، فهذا ضبطأقسام تكاليف اللّه في باب جلب المنافع. وأما تكاليف اللّه تعالى في باب دفع المضارفنقول: أقسام المضار خمسة لأن المضرة إماأن تحصل في النفوس أو في الأموال أو فيالأديان أو في الأنساب أو في العقول، أماالمضار الحاصلة في النفوس فهي إما أن تحصلفي كل النفس، و الحكم فيه إما القصاص أوالدية أو الكفارة، و إما في بعض من أبعاضالبدن كقطع اليد و غيرها، و الواجب فيه إماالقصاص أو الدية أو الإرش، و أما المضارالحاصلة في الأموال، فذلك الضرر إما أنيحصل على سبيل الإعلان و الإظهار، و هوكتاب الغصب أو على سبيل الخفية و هو كتابالسرقة، و أما المضار الحاصلة في الأديان،فهي إما الكفر و إما البدعة، أما الكفرفيدخل فيه أحكام المرتدين، و ليس للفقهاءكتاب مقرر في أحكام المبتدعين و أماالمضار الحاصلة في الأنساب فيتصل به تحريمالزنا و اللواط و بيان العقوبة المشروعةفيهما، و يدخل فيه أيضا باب حد القذف و باباللعان، و ههنا بحث آخر و هو أن كل أحد لايمكنه استيفاء حقوقه من المنافع و دفعالمضار بنفسه، لأنه ربما كان ضعيفا فلايلتفت إليه خصمه، فلهذا السر نصب اللّهتعالى الإمام لتنفيذ الأحكام، و يجب أنيكون لذلك الإمام نواب و هم الأمراء والقضاة فلما لم يجز أن يكون قول الغيرمقبولا على الغير إلا بالحجة، فالشرع أثبتلإظهار الحق حجة مخصوصة و هي الشهادة، و لابد أن يكون للدعوى و لإقامة البينة شرائطمخصوصة فلا بد من باب مشتمل عليها، فهذاضبط معاقد تكاليف اللّه تعالى و أحكامه وحدوده، و لما كانت كثيرة و اللّه تعالىإنما بينها في كل القرآن تارة على وجهالتفصيل، و تارة بأن أمر الرسول عليهالسلام حتى يبينها للمكلفين، لا جرم أنهتعالى أجمل ذكرها في هذه الآية، فقال: وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ و هويتناول جملة هذه التكاليف.و اعلم أن الفقهاء ظنوا أن الذي ذكروه فيبيان التكاليف و ليس الأمر كذلك، فإنأعمال المكلفين قسمان: أعمال الجوارح وأعمال القلوب، و كتب الفقه مشتملة على شرحأقسام التكاليف المتعلقة بأعمال الجوارح،فأما التكاليف المتعلقة بأعمال القلوبفلم يبحثوا عنها ألبتة و لم يصنفوا لهاكتبا و أبوابا و فصولا.و لم يبحثوا عن دقائقها، و لا شك أن البحثعنها أهم و المبالغة في الكشف عن حقائقهاأولى. لأن أعمال الجوارح إنما تراد لأجلتحصيل أعمال القلوب و الآيات الكثيرة فيكتاب اللّه تعالى ناطقة بذلك إلا أن قولهسبحانه: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِاللَّهِ متناول لكل هذه الأقسام على سبيلالشمول و الإحاطة.و اعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الصفاتالتسعة قال: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَو المقصود منه أنه قال في الآية المتقدمة:فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِيبايَعْتُمْ بِهِ فذكر هذه الصفات التسعة،ثم ذكر عقيبها قوله: وَ بَشِّرِالْمُؤْمِنِينَ تنبيها على أن البشارةالمذكورة في قوله: فَاسْتَبْشِرُوا لمتتناول إلا المؤمنين الموصوفين بهذهالصفات.