فاعل كادَ يجوز أن يكونقُلُوبُو التقدير: كاد قلوب فريق منهم تزيغ، ويجوز أن يكون فيه ضمير الأمر و الشأن، والفعل و الفاعل تفسير للأمر و الشأن، والمعنى: كادوا لا يثبتون على اتباع الرسولعليه الصلاة و السلام في تلك الغزوة لشدةالعسرة.
البحث الثاني:
قرأ حمزة و حفص عن عاصميَزِيغُ بالياء لتقدم الفعل،و الباقون بالتاء لتأنيث قلوب، و في قراءةعبد اللّه من بعد ما زاغت قلوب فريق منهم.
البحث الثالث:
(كاد) عند بعضهم تفيدالمقاربة فقط،و عند آخرين تفيد المقاربة مع عدم الوقوع،فهذه التوبة المذكورة توبة عن تلكالمقاربة، و اختلفوا في ذلك الذي وقع فيقلوبهم. فقيل: هم بعضهم عند تلك الشدةالعظيمة أن يفارق الرسول، لكنه صبر واحتسب. فلذلك قال تعالى: ثُمَّ تابَعَلَيْهِمْ لما صبروا و ثبتوا و ندموا علىذلك الأمر اليسير. و قال الآخرون بل كانذلك لحديث النفس الذي يكون مقدمة العزيمة،فلما نالتهم الشدة وقع ذلك في قلوبهم و معذلك تلافوا هذا اليسير خوفا منه أن يكونمعصية. فلذلك قال تعالى: ثُمَّ تابَعَلَيْهِمْ.فإن قيل: ذكر التوبة في أول الآية و فيآخرها فما الفائدة في التكرار؟قلنا: فيه وجوه:
الوجه الأول:
أنه تعالى ابتدأ بذكر التوبةقبل ذكر الذنب تطييبا لقلوبهم، ثم ذكرالذنب ثم أردفه مرة أخرى بذكر التوبة، والمقصود منه تعظيم شأنهم.
و الوجه الثاني:
أنه إذا قيل: عفا السلطانعن فلان ثم عفا عنه، دل ذلك على أن ذلكالعفو عفو متأكد بلغ الغاية القصوى فيالكمال و القوة، قال عليه الصلاة و السلام:«إن اللّه ليغفر ذنب الرجل المسلم عشرينمرة» و هذا معنى قول ابن عباس في قوله:ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ يريد آزداد عنهمرضا.
و الوجه الثالث:
أنه قال: لَقَدْ تابَاللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِالَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِالْعُسْرَةِ و هذا الترتيب يدل على أنالمراد أنه تعالى تاب عليهم من الوساوسالتي كانت تقع في قلوبهم في ساعة العسرة،ثم إنه تعالى زاد عليه فقال: مِنْ بَعْدِما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍمِنْهُمْ فهذه الزيادة أفادت حصول وساوسقوية، فلا جرم أتبعها تعالى بذكر التوبةمرة أخرى لئلا يبقى في خاطر أحدهم شك فيكونهم مؤاخذين بتلك الوساوس.ثم قال تعالى: إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌرَحِيمٌو هما صفتان للّه تعالى و معناهما متقارب،و يشبه أن تكون الرأفة عبارة عن السعي فيإزالة الضر، و الرحمة عبارة عن السعي فيإيصال المنفعة. و قيل: إحداهما للرحمةالسالفة، و الأخرى للمستقبلة.