مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
اعلم أن اللّه تعالى لما أمر بقوله: وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ بوجوب الكونفي موافقة الرسول عليه السلام في جميعالغزوات و المشاهد، أكد ذلك فنهى في هذهالآية عن التخلف عنه. فقال: ما كانَلِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْحَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْيَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ والأعراب الذين كانوا حول المدينة مزينة، وجهينة، و أشجع، و أسلم، و غفار، هكذا قالهابن عباس. و قيل: بل هذا يتناول جميعالأعراب الذين كانوا حول المدينة فإناللفظ عام، و التخصيص تحكم، و على القولينفليس لهم أن يتخلفوا عن رسول اللّه، و لايطلبوا لأنفسهم الحفظ و الدعة حال ما يكونرسول اللّه في الحر و المشقة، و قوله: وَ لايَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْنَفْسِهِ يقال: رغبت بنفسي عن هذا الأمر أيتوقفت عنه و تركته، و أنا أرغب بفلان عنهذا أي أبخل به عليه و لا أتركه. و المعنى:ليس لهم أن يكرهوا لأنفسهم ما يرضاهالرسول عليه الصلاة و السلام لنفسه.و اعلم أن ظاهر هذه الألفاظ وجوب الجهادعلى كل هؤلاء إلا أنا نقول: المرضى والضعفاء و العاجزون مخصوصون بدليل العقل وأيضا بقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُنَفْساً إِلَّا وُسْعَها [البقرة: 286] وأيضا بقوله:لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ [النور:61 الفتح: 17] الآية و أما أن الجهاد غير واجبعلى كل أحد بعينه، فقد دل الإجماع عليهفيكون مخصوصا من هذا العموم و بقي ما وراءهاتين الصورتين داخلا تحت هذا العموم.و اعلم أنه تعالى لما منع من التخلف بينأنه لا يصيبهم في ذلك السفر نوع من أنواعالمشقة إلا و هو يوجب الثواب العظيم عنداللّه تعالى ثم إنه ذكر أمورا خمسة: أولها:قوله: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْظَمَأٌ و هو شدة العطش يقال ظمىء فلانإذا اشتد عطشه. و ثانيها: قوله: وَ لانَصَبٌ و معناه الإعياء و التعب. و ثالثها:وَ لا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِيريد مجاعة شديدة يظهر بها ضمور البطن ومنه يقال: فلان خميص البطن.و رابعها: قوله: وَ لا يَطَؤُنَ مَوْطِئاًيَغِيظُ الْكُفَّارَ أي و لا يضع الإنسانقدمه و لا يضع فرسه حافره، و لا يضع بعيرهخفه بحيث يصير ذلك سببا لغيظ الكفار قالابن الأعرابي: يقال غاظه و غيظه و أغاظهبمعنى واحد، أي أغضبه. و خامسها: قوله: وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا أيأسرا و قتلا و هزيمة قليلا كان أو كثيراإِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌأي إلا كان ذلك قربة لهم عند اللّه و نقولدلت هذه الآية على أن من قصد طاعة اللّهكان قيامه و قعوده و مشيته و حركته و سكونهكلها حسنات مكتوبة عند اللّه. و كذا القولفي طرف المعصية فما أعظم بركة الطاعة و ماأعظم شؤم المعصية، و اختلفوا فقال قتادة:هذا الحكم من خواص رسول اللّه إذا غزابنفسه فليس لأحد أن يتخلف عنه إلا بعذر. وقال ابن زيد: هذا حين كان المسلمون قليلينفلما كثروا نسخها اللّه تعالى بقوله: وَ ماكانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُواكَافَّةً [التوبة: 122] و قال عطية ما كان لهمأن يتخلفوا عن رسول اللّه إذا دعاهم وأمرهم و هذا هو الصحيح، لأنه تتعينالإجابة و الطاعة لرسول اللّه إذا أمر وكذلك غيره من الولاة و الأئمة إذا ندبوا وعينوا لأنا لو سوغنا للمندوب أن يتقاعد لميختص بذلك بعض دون بعض و لأدى ذلك إلىتعطيل الجهاد.ثم قال: وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةًصَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً يريد تمرة فمافوقها و علاقة سوط فما فوقها و لا يقطعون