مفاتیح الشرائع جلد 16
لطفا منتظر باشید ...
الشأم دخلوا العراق. و إنما قلنا: إنالابتداء بالغزو من المواضع القريبة أولىلوجوه: الأول: أن مقابلة الكل دفعة واحدةمتعذرة، و لما تساوى الكل في وجوب القتاللما فيهم من الكفر و المحاربة و امتنعالجمع، وجب الترجيح، و القرب مرجح ظاهركما في الدعوة، و كما في سائر المهمات، ألاترى أن في الأمر بالمعروف و النهي عنالمنكر الابتداء بالحاضر أولى من الذهابإلى البلاد البعيدة لهذا المهم، فوجبالابتداء بالأقرب.و الثاني: أن الابتداء بالأقرب أولى لأنالنفقات فيه أقل، و الحاجة إلى الدواب والآلات و الأدوات أقل. الثالث:أن الفرقة المجاهدة إذا تجاوزوا منالأقرب إلى الأبعد فقد عرضوا الذراريللفتنة. الرابع: أن المجاورين لدارالإسلام إما أن يكونوا أقوياء أو ضعفاء،فإن كانوا أقوياء كان تعرضهم لدار الإسلامأشد و أكثر من تعرض الكفار المتباعدين، والشر الأقوى الأكثر أولى بالدفع، و إنكانوا ضعفاء كان استيلاء المسلمين عليهمأسهل، و حصول عز الإسلام لسبب انكسارهمأقرب و أيسر، فكان الابتداء بهم أولى.الخامس: أن وقوف الإنسان على حال من يقربمنه أسهل من وقوفه على حال من يبعد منه، وإذا كان كذلك كان اقتدار المسلمين علىمقاتلة الأقربين أسهل لعلمهم بكيفيةأحوالهم و بمقادير أسلحتهم و عدد عساكرهم.السادس: أن دار الإسلام واسعة، فإذا اشتغلأهل كل بلد بقتال من يقرب منهم من الكفاركانت المؤنة أسهل، و حصول المقصود أيسر.السابع: أنه إذا اجتمع واجبان و كان أحدهماأيسر حصولا وجب تقديمه، و القرب سببالسهولة، فوجب الابتداء بالأقرب.الثامن: أنا بينا أن رسول اللّه صلّى اللهعليه وسلّم ابتدأ في الدعوة بالأقربفالأقرب، و في الغزو بالأقرب فالأقرب، وفي جميع المهمات كذلك. فإن الأعرابي لماجلس على المائدة و كان يمد يده إلى الجوانبالبعيدة من تلك المائدة قال عليه السلامله: «كل مما يليك» فدلت هذه الوجوه على أنالابتداء بالأقرب فالأقرب واجب.فإن قيل: ربما كان التخطي من الأقرب إلىالأبعد أصلح، لأن الأبعد يقع في قلبه أنهإنما جاوز الأقرب لأنه لا يقيم له وزنا.قلنا: ذاك احتمال واحد، و ما ذكرنااحتمالات كثيرة، و مصالح الدنيا مبنية علىترجيح ما هو أكثر مصلحة على ما هو الأقل، وهذا الذي قلناه إنما قلناه إذا تعذر الجمعبين مقاتلة الأقرب و الأبعد، أما إذا أمكنالجمع بين الكل، فلا كلام في أن الأولى هوالجمع، فثبت أن هذه الآية غير منسوخةألبتة.و أما قوله تعالى: وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْغِلْظَةً قال الزجاج: فيها ثلاث لغات، فتحالغين و ضمها و كسرها.قال صاحب «الكشاف»: الغلظة بالكسر الشدةالعظيمة، و الغلظة كالضغطة، و الغلظةكالسخطة، و هذه الآية تدل على الأمربالتغليظ عليهم، و نظيره قوله تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 73] و قوله: وَلا تَهِنُوا [آل عمران: 139]، [النساء: 104] وقوله في صفة الصحابة رضي اللّه عنهم:أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ [المائدة:54] و قوله: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ[الفتح: 29] و للمفسرين عبارات في تفسيرالغلظة، قيل شجاعة و قيل شدة و قيل غيظا.و اعلم أن الغلظة ضد الرقة، و هي الشدة فيإحلال النقمة، و الفائدة فيها أنها أقوىتأثيرا في الزجر و المنع عن القبيح، ثم إنالأمر في هذا الباب لا يكون مطردا، بل قديحتاج تارة إلى الرفق و اللطف و أخرى إلىالعنف، و لهذا السبب قال: وَ لْيَجِدُوافِيكُمْ غِلْظَةً تنبيها على أنه لا يجوزالاقتصار على الغلظة ألبتة فإنه ينفر ويوجب تفرق القوم، فقوله: وَ لْيَجِدُوافِيكُمْ غِلْظَةً يدل على تقليل الغلظة،كأنه قيل لابد و أن يكونوا بحيث