أنه تعالى قيد ذلك بقوله:كَثِيراً ليدل بذلك على أن هذه الطريقةطريقة بعضهم لا طريقة الكل،فإن العالم لا يخلو عن الحق و إطباق الكلعلى الباطل كالممتنع هذا يوهم أنه كما أنإجماع هذه الأمة على الباطل لا يحصل،فكذلك سائر الأمم.
البحث الثاني:
أنه تعالى عبر عن أخذالأموال بالأكلو هو قوله: لَيَأْكُلُونَ و السبب في هذهالاستعارة، أن المقصود الأعظم من جمعالأموال هو الأكل، فسمى الشيء باسم ما هوأعظم مقاصده، أو يقال من أكل شيئا فقد ضمنهإلى نفسه و منعه من الوصول إلى غيره، و منجمع المال فقد ضم تلك الأموال إلى نفسه، ومنعها من الوصول إلى غيره، فلما حصلتالمشابهة بين الأكل و بين الأخذ من هذاالوجه، سمى الأخذ بالأكل أو يقال:إن من أخذ أموال الناس، فإذا طولب بردها،قال أكلتها و ما بقيت، فلا أقدر على ردها،فلهذا السبب سمى الأخذ بالأكل.
البحث الثالث:
أنه قال: لَيَأْكُلُونَأَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِو قد اختلفوا في تفسير هذا الباطل علىوجوه:الأول: أنهم كانوا يأخذون الرشا في تخفيفالأحكام و المسامحة في الشرائع. و الثاني:أنهم كانوا يدعون عند الحشرات و العواممنهم، أنه لا سبيل لأحد إلى الفوز بمرضاةاللّه تعالى إلا بخدمتهم و طاعتهم، و بذلالأموال في طلب مرضاتهم و العوام كانوايغترون بتلك الأكاذيب. الثالث: التوراةكانت مشتملة على آيات دالة على مبعث محمدصلّى الله عليه وسلّم، فأولئك الأحبار والرهبان، كانوا يذكرون في تأويلها وجوهافاسدة، و يحملونها على محامل باطلة، وكانوا يطيبون قلوب عوامهم بهذا السبب، ويأخذون الرشوة. و الرابع: أنهم كانوايقررون عند عوامهم أن الدين الحق هو الذيهم عليه فإذا قرروا ذلك قالوا و تقويةالدين الحق واجب ثم قالوا: و لا طريق إلىتقويته إلا إذا كان أولئك الفقهاء أقواماعظماء أصحاب الأموال الكثيرة و الجمعالعظيم، فبهذا الطريق يحملون العوام علىأن يبذلوا في خدمتهم نفوسهم و أمو الهم،فهذا هو الباطل الذي كانوا به يأكلونأموال الناس، و هي بأسرها حاضرة فيزماننا، و هو الطريق لأكثر الجهال والمزورين إلى أخذ أموال العوام و الحمقىمن الخلق.ثم قال: وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِاللَّهِلأنهم كانوا يقتلون على متابعتهم ويمنعون عن متابعة الأخيار من الخلق والعلماء في الزمان، و في زمان محمد عليهالصلاة و السلام كانوا يبالغون في المنععن متابعته بجميع وجوه المكر و الخداع.قال المصنف رضي اللّه عنه: غاية مطلوبالخلق في الدنيا المال و الجاه، فبينتعالى في صفة الأحبار و الرهبان كونهممشغوفين بهذين الأمرين، فالمال هو المرادبقوله: لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِبِالْباطِلِ و أما الجاه