أن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حيندخل المدينة ما كان معه إلا أبو بكر، والأنصار ما رأوا مع رسول اللّه صلّى اللهعليه وسلّم أحدا إلا أبا بكر، و ذلك يدلعلى أنه كان يصطفيه لنفسه من بين أصحابه فيالسفر و الحضر، و أن أصحابنا زادوا عليه وقالوا: لما لم يحضر معه في ذلك السفر أحدإلا أبوبكر، فلو قدرنا أنه توفي رسولاللّه صلّى الله عليه وسلّم في ذلك السفرلزم أن لا يقوم بأمره إلا أبو بكر وأن لايكون وصيه على أمته إلا أبو بكر، و أن لايبلغ ما حدث من الوحي و التنزيل في ذلكالطريق إلى أمته إلا أبو بكر، و كل ذلك يدلعلى الفضائل العالية و الدرجات الرفيعةلأبي بكر.و اعلم أن الروافض احتجوا بهذه الآية وبهذه الواقعة على الطعن في أبي بكر منوجوهضعيفة حقيرة جارية مجرى إخفاء الشمس بكفمن الطين: فالأول: قالوا إنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي بكر: لا تَحْزَنْ فذلكالحزن إن كان حقا فكيف نهى الرسول عليهالصلاة و السلام عنه؟ و إن كان خطأ، لزم أنيكون أبو بكر مذنبا و عاصيا في ذلك الحزن،و الثاني: قالوا يحتمل أن يقال: إنهاستخلصه لنفسه لأنه كان يخاف منه أنه لوتركه في مكة أن يدل الكفار عليه، و أنيوقفهم على أسراره و معانيه، فأخذه معنفسه دفعا لهذا الشر. و الثالث:و إن دلت هذه الحالة على فضل أبي بكر إلاأنه أمر عليا بأن يضطجع على فراشه، و معلومأن الاضطجاع على فراش رسول اللّه صلّىالله عليه وسلّم في مثل تلك الليلةالظلماء مع كون الكفار قاصدين قتل رسولاللّه تعريض النفس للفداء، فهذا العمل منعلي، أعلى و أعظم من كون أبي بكر صاحباللرسول، فهذه جملة ما ذكروه في ذلك الباب.و الجواب عن الأول: أن أبا علي الجبائي لماحكى عنهم تلك الشبهة، قال: فيقال لهم يجبفي قوله تعالى لموسى عليه السلام: لاتَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى [طه: 68]أن يدل على أنه كان عاصيا في خوفه، و ذلكطعن في الأنبياء، و يجب في قوله تعالى فيإبراهيم، حيث قالت الملائكة له: لا تَخَفْ[هود: 69] في قصة العجل المشوي مثل ذلك، و فيقولهم لوط: لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْإِنَّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ [العنكبوت:33] مثل ذلك.فإذا قالوا: إن ذلك الخوف إنما حصل بمقتضىالبشرية، و إنما ذكر اللّه تعالى ذلك فيقوله: لا تَخَفْ ليفيد الأمن، و فراغالقلب.قلنا لهم في هذه المسألة كذلك.فإن قالوا: أليس إنه تعالى قال: وَ اللَّهُيَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [المائدة: 67]فكيف خاف مع سماع هذه الآية؟ فنقول: هذهالآية إنما نزلت في المدينة، وهذه الواقعةسابقة على نزولها، و أيضا فهب أنه كان آمناعلى عدم القتل، ولكنه ما كان آمنا منالضرب، و الجرح و الإيلام الشديد و العجبمنهم، فإنا لو قدرنا أن أبا بكر