أنه صفة للجنة قالالأزهري: العدن مأخوذ من قولك عدن فلانبالمكان إذا أقام به، يعدن عدونا. و العربتقول: تركت إبل بني فلان عوادن بمكان كذا،و هو أن تلزم الإبل المكان فتألفه و لاتبرحه، و منه المعدن و هو المكان الذي تخلقالجواهر فيه و منبعها منه، و القائلونبهذا الاشتقاق قالوا: الجنات كلها جناتعدن.
و النوع الثالث:
من المواعيد التي ذكرهااللّه تعالى في هذه الآية قوله: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ و المعنىأن رضوان اللّه أكبر من كل ما سلف ذكره، واعلم أن هذا هو البرهان القاطع على أنالسعادات الروحانية أشرف و أعلى منالسعادات الجسمانية، و ذلك لأنه إما أنيكون الابتهاج بكون مولاه راضيا عنه، و أنيتوسل بذلك الرضا إلى شيء من اللذاتالجسمانية أو ليس الأمر كذلك، بل علمهبكونه راضيا عنه يوجب الابتهاج و السعادةلذاته من غير أن يتوسل به إلى مطلوب آخر، والأول باطل، لأن ما كان وسيلة إلى الشيءلا يكون أعلى حالا من ذلك المقصود، فلو كانالمقصود من رضوان اللّه أن يتوسل به إلىاللذات التي أعدها اللّه في الجنة منالأكل و الشرب لكان الابتهاج بالرضوانابتهاجا بحصول الوسيلة. و لكان الابتهاجبتلك اللذات ابتهاجا بالمقصود، و قد ذكرناأن الابتهاج بالوسيلة لابد و أن يكون أقلحالا من الابتهاج بالمقصود. فوجب أن يكونرضوان اللّه أقل حالا و أدون مرتبة منالفوز بالجنات و المساكن الطيبة، لكنالأمر ليس كذلك، لأنه تعالى نص على أنالفوز بالرضوان أعلى و أعظم و أجل و أكبر،و ذلك دليل قاطع على أن السعاداتالروحانية أكمل و أشرف من السعاداتالجسمانية.و اعلم أن المذهب الصحيح الحق وجوبالإقرار بهما معا كما جمع اللّه بينهما فيهذه الآية. و لما ذكر تعالى هذه الأمورالثلاثة قال: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُالْعَظِيمُ و فيه وجهان: الأول: أن الإنسانمخلوق من جوهرين، لطيف علوي روحاني، وكثيف سفلي جسماني و انضم إليهما حصولسعادة و شقاوة، فإذا حصلت الخيراتالجسمانية و انضم إليها حصول السعاداتالروحانية كانت الروح فائزة بالسعاداتاللائقة بها، و الجسد واصلا إلى السعاداتاللائقة به، و لا شك أن ذلك هو الفوزالعظيم. الثاني: أنه تعالى بين في وصفهالمنافقين أنهم تشبهوا بالكفار الذينكانوا قبلهم في التنعم بالدنيا و طيباتها.ثم إنه تعالى بين في هذه الآية وصف ثوابالمؤمنين، ثم قال: ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُالْعَظِيمُ و المعنى: أن هذا هو الفوزالعظيم، لا ما يطلبه المنافقون و الكفارمن التنعم بطيبات الدنيا. و روي أنه تعالىيقول لأهل الجنة: «هل رضيتم؟ فيقولون و مالنا لا نرضى و قد أعطيتنا ما لم تعط أحدا منخلقك، فيقول أما أعطيكم أفضل من ذلك،قالوا و أي شيء أفضل من ذلك. قال أحلعليكم رضوانى فلا أسخط عليكم أبدا»