تفسير ابن عربي (جزء 1) نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
بالحقيقة، فإن القول والفعل والصفة والوجود كلها لك (إن كنت قلته فقد علمته)
أي: إن كان صدر مني قول فعن علمك ولا وجود لما لا تعلم وما وجد بعلمك وجد
(تعلم ما في نفسي) لإحاطتك بالكل، فعلمي بعض علمك (ولا أعلم ما في نفسك) أي: ذاتك لأني لا أحيط بالكل (ما قلت لهم) وما أمرتهم إلا ما كلفتني
قوله وألزمتني إياه (أن اعبدوا الله ربي وربكم) أي: ما دعوتهم إلا إلى الجمع في
صورة التفصيل وهو الذي نسبة ربوبيته إلى الكل سواء فغلطوا فما رأوه إلا في بعض
التفاصيل لضيق وعائهم (وكنت عليهم شهيدا) رقيبا حاضرا أراعيهم وأعلمهم (ما دمت فيهم) أي: ما بقي مني وجود بقية (فلما توفيتني) أفنيتني بالكلية بك (كنت أنت الرقيب عليهم) لفنائي فيك (وأنت على كل شيء شهيد) حاضر، يوجد بك،
وإلا لم يكن ذلك الشيء.(إن تعذبهم) بإدامة الحجاب (فإنهم عبادك) أحقاء بالحجب والحرمان وأنت
أولى بهم تفعل بهم ما تشاء (وإن تغفر لهم) برفع الحجاب (فإنك أنت العزيز)
القوي القادر على ذلك لا تزول عزتك بتقريبهم ورفع حجابهم (الحكيم) تفعل ما
تفعله من التعذيب بالحجب والحرمان والتقريب باللطف والغفران بحكمتك البالغة
(هذا يوم) نفع صدقك إياك، وصدق كل صادق لكونه خميرة الكمالات وخاصية
الملكوت (لهم جنات) الصفات بدليل ثمرة الرضوان فإن الرضا لا يكون إلا بفناء
الإرادة ولا تفنى إرادتهم إلا إذا غلبت إرادة الله عليهم فأفنتها، ولهذا قدم رضوان الله
عنهم على رضوانهم عنه، أي: لما أرادهم الله تعالى في الأزل بمظهرية إرادته ومحل
رضوانه ورضي بهم محلا وأهلا لذلك سلب عنهم إرادتهم بأن جعل إرادته مكانها
وأبدلهم بها فرضي عنهم وأرضاهم (ذلك الفوز العظيم) أي: الفلاح العظيم الشأن
ولو كان فناء الذات لكان الفوز الأكبر والفلاح الأعظم.
له ما في العالم العلوي
والسفلي باطنه وظاهره (وما فيهن) أسماؤه وصفاته وأفعاله (وهو على كل شيء
قدير) إن شاء أفنى بظهور ذاته، وإن شاء أوجد بتستره بأسمائه وصفاته.