تفسير ابن عربي (جزء 1) نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
(إنما أمرهم إلى الله) في جزاء تفرقهم لا إليك (ثم ينبئهم) عند
ظهور هيئات نفوسهم المختلفة والأهواء المتفرقة عليهم بمفارقة الأبدان (بما كانوا يفعلون) من السيئات.(من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) هذا أقل درجات الثواب وذلك أن الحسنة
تصدر بظهور القلب، والسيئة بظهور النفس، فأقل درجات ثوابها أنه يصل إلى مقام
القلب الذي يتلو مقام النفس في الارتقاء تلو مرتبة العشرات للآحاد في الأعداد.(ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) لأنه لا مقام أدون من مقام النفس، فينحط
إليه بالضرورة فيرى جزاءه في مقام النفس بالمثل. ومن هذا يعلم أن الثواب من باب
الفضل فإنه يزيد به صاحبه ويتنور استعداده ويزداد قبوله لفيض الحق فيتقوى على
إضعاف ما فعل ويكتسب به أجورا متضاعفة إلى غير نهاية بازدياد القبول عند فعل كل
حسنة، وزيادة القدرة والشغف على الحسنة عند زيادة الفيض إلى ما لا يعلمه إلا الله،
كما قال بعد ذكر أضعافها إلى سبعمائة: (والله يضاعف لمن يشاء) [البقرة، الآية: 261]
وأن العقاب من باب العدل، إذ العدل يقتضي المساواة ومن فعل بالنفس إذا لم يعف
عنه يجازى بالنفس سواء وتذكر ما قيل في قوله تعالى: (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) [البقرة، الآية: 286] فإن الفضيلة للإنسان ذاتية موجبة لترقيه البتة، والرذيلة
عارضة ظلمتها للفطرة، فمهما لم تكن بقصد ونية من صاحبها أو كانت ولم يصر
عليها، عفي عنها ولم تحجب صاحبها.
وإن كانت وأصر عليها جوزي في مقام النفس
بالمثل. والحسنة والسيئة المذكورتان هاهنا من قبيل الأعمال وإلا فرب سيئة من
شخص تعادل حسنة من غيره، كما قال عليه السلام: '' حسنات الأبرار سيئات
المقربين ''، بوجود القلب عند الشهود، وسيئات الأبرار بظهور النفس عند السلوك،
وحسناتهم بظهور القلب، ورب سيئة توجب حجاب الأبد كاعتقاد الشرك مثلا.