وقال الفضـل(1):
لا بُـدّ في هذا المقام من تحرير محلّ النزاع أوّلا، فنقول:
وجوب معرفة الله تعالى ـ الذي اختُلف فيه ـ هل إنّه مستفاد من الشرع أو العقل؟
إنْ أُريدَ به الاستحسان، وترتّب المصلحة، فلا يبعد أن يقال: إنّه مسـتفاد من العقل ; لأنّ شـكر المنعم موقوف على معرفته، والشكر واجب ـ بهذا المعنى ـ بالعقل، ولا نزاع للأشاعرة في هذا.
وإنْ أُريدَ به ما يوجب ترتّب الثواب والعقاب، فلا شكّ أنّه مستفاد من الشرع ; لأنّ العقل ليس له أنْ يحكم بما يوجب الثواب عند الله.
والمعتزلة يوافقون أهل السُـنّة في أنّ الحسن والقبح ـ بهذا المعنى ـ مركوزان في العقل، ولكنّ الشرع كاشفٌ عنهما.
ففي المذهبين لا بُـدّ وأنْ يؤخذ(2) من الشرع، إمّا لكونه حاكماً، أو لكونه كاشفاً(3).
فكلُّ ما يَرِدُ على الأشاعرة في هذا المقام بقولهم: " إنّ الشرع حاكمٌ بالوجوب دون العقل " يَرِدُ على المعتزلة بقولهم: " إنّ الشرع كاشفٌ للوجوب " ; لأنّ في القولين لا بُـدّ من الشرع ليحكم أو يكشف.
(1) إبطال نهج الباطل ـ المطبوع ضمن إحقاق الحقّ ـ 1 / 160 ـ 161.
(2) كان في الأصل: " يوجد "، وهو تصحيف ; والمثبت في المتن من المصدر.
(3) أي كاشفاً عن حكم العقل بوجوب النظر.