وأقـول:
لا يخفى أنّ معنى الوجوب هو: لزوم الفعل، وعبّر بعضهم بطلب الفعل مع المنع من الترك، وهذا ممّا لا يشتبه في نفسه على أحد، ولا في كونه ـ هو دون غيره ـ محلّ النزاع، فأيُّ وجه لتركه؟!
والترديد في معنى الوجوب بين أمرين لا ربط لهما بالمقصود، اللّهمّ إلاّ أنْ يريد الترديد في سبب الوجوب العقلي ودليله، لا في معناه، فهو حسنٌ إذا كان غرضه ـ من الشقّ الأوّل في الترديد ـ تسليم الدليل الأوّل الذي استدلّ به المصنّف، مع إرادة الخصم بالاستحسان هو الاسـتحسان على وجه اللزوم.
لكنّ دعوى تسليم الأشاعرة لهذا الدليل، وعدم النزاع لهم في وجوب شكر المنعم، غير صحيحة، لا سيّما إذا أُريدَ به إثبات وجوب المعرفة عقـلا.
فإنّهم أنكروا وجوب المعرفة عقلا ـ كما سمعت ـ، وأنكروا وجوب شكر المنعم عقلا، مدعين:
أوّلا: إنّه تصرّف في ملك الغير، فلا يجوز بدون إذنه.
وثانياً: إنّه لو وجب عقلا، فإنْ كان لا لفائدة، يلزم العبث ; وإنْ كان لفائدة: إمّا في الدنيا، وأنّه مشقّة ; أو في الآخرة، ولا استقلال للعقل فيها.
ويردُ على الأوّل: إنّهم إنْ أرادوا بملك الغير: الجوارح والقوى المدركة ; ففيه: إنّ الله سبحانه إنّما خلقها ليتصرّف بها صاحبُها، إلاّ أنْ