وأقـول:
لا يخفى أنّ تجويز إظهار المعجزة على يد الكاذب ـ عقلا ـ مناف لِما يذكرونه عند الكلام في عصمة الأنبياء، من دلالة المعجزة عقلا على عصمتهم عن الكذب، في دعوى الرسالة وما يبلّغونه عن الله تعالى.
ولكن إذا كان الكلام تبعاً للهوى ومبنيّاً على شفا جرف هار، يجوز الاختلاف فيه بمثل ذلك.
وأمّا دعوى جريان العادة بعدم إظهار المعجزة على يد الكاذب، فمحتاجة إلى دعوى علم الغيب ممّن لم يُقْبِـح عقله إظهار المعجزة على يد الكاذب، فإنّه لم يعرف كلّ كاذب، ولم يطّلع على أحوالهم، فلعلّ بعض من يعتقد نبوّته لظهور المعجزة على يده كان كاذباً، ولا يمكن العلم بعدم المعجزة لكلّ كاذب من إخبار نبيّنا (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إذ لعلّه لم يكن نبيّاً ـ وإنْ تواتر ظهور المعجزات على يده، على أنّه لم يثبت عنه ذلك الإخبار.
ولو ثبت مع نبوّته فخبره لا يفيد العلم، لتجويز الأشاعرة الكذب في مثل ذلك على الأنبياء سهواً، بل عمداً(1)، كما ستعرف إن شاء الله تعالى.
وأمّا تجويزهم أن يرسل الله السفهاء والفسّاق، فأفظع من ذلك، وسـيجيء تحقيقه إن شاء الله تعالى.
(1) انظر: الفصل في الملل والأهواء والنحل 2 / 284، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 320.