وأقـول:
غاية المصنّف من الدليل العقلي هو إثبات حدوث ما يُتعقّل من كلامه تعالى، ولا يُتعقّل إلاّ اللفظي، ولا محلّ لإثبات حدوث النفسي عقلا ; لأنّه فرع المعقولية.
وأمّـا الأدلّة السمعية، فإنّما تُذكر لإثبات الانحصار باللفظي، أو لإثبات حدوث النفسي على فرض المعقولية.
على أنّه قد يقال: إنّ الكلام النفسي عندهم مدلول للكلام اللفظي، فينبغي أن يكون مركّباً في النفس كتركيب اللفظي، ومرتّباً كترتيبه، فيلزم تقدّم بعض أجزائه على بعض، وهو يقتضي الحدوث.
هـذا، وحكى شارح " المواقف " عن الماتن في مقالة مفردة، أنّه فسّر الكلام النفسي بالأمر القائم بالغير، الشامل للّفظ والمعنى جميعاً، وزعم أنّه قائمٌ بذات الله تعالى، وأنّه قديم ; لأنّ الترتيب إنّما هو في التلفّظ، بسبب عدم مساعدة الآلة، فالتلفّظ حادث دون الملفوظ(1).
وأورد عليه القوشجي بأنّ هذا خارج عن طور العقل، وما هو إلاّ مثل أنْ يكون حركة مجتمعة الأجزاء في الوجود، لا يكون لبعضها تقدّم على بعض(2) ; وهو حسـن.
وأمّـا ما أجاب به الخصم عن قوله تعالى: ( ما يأتيهم من ذِكر من
(1) شرح المواقف 8 / 103 ـ 104.
(2) انظر: شرح التجريد: 421.