وأقـول:
لا أدري كيف يقع الكلام مع هؤلاء القوم؟! فإنّ النزاع ينقطع إذا بلغ إلى مقدّمات ضرورية، وهؤلاء جعلوا نزاعهم في الضروريات!
ليت شـعري إذا لم يحكم العقل بامتناع التكليف بما لا يطاق وجوّز أن ينهى الله العبد عن الفعل، ويخلقه فيه اضطراراً، ويعاقبه عليه، فقل لي أيّ أمر يدركه العقل؟!
قيل: اجتمع النظّام والنجّار للمناظرة، فقال له النجّار: لِـمَ يُدفع أن يكلّفَ اللهُ عبادَه ما لا يطيقون؟!
فسـكت النظّام، فقيل له: لِـمَ سـكتّ؟!
قال: كنت أُريد بمناظرته أن أُلزمه القول بتكليف ما لا يطاق، فإذا التزمه ولم يسـتحِ فبِـمَ أُلزمه؟!(1).
وجلّ مسائل هذا الكتاب من هذا الباب كما رأيت وترى إن شاء الله تعـالى.
وكفاك إنكارهم أن يجب على الله شيء، فإنّه إذا لم يجب عليه شيء بعدله وحكمته ورحمته، فأيّ إله يكون؟! وكيف يكون حال الدنيا والآخـرة؟!
ومثله تجويز أن يفعل ما يشاء ممّا لا غرض فيه ولا غاية ولا حكمة ولا عدل، كتكليف ما لا يطاق ; تعالى الله عن ذلك.
(1) انظر مضمونه في: شرح الأُصول الخمسة: 400.