وأقـول:
سبق أنّ حقيقة مختار الأشاعرة نفي سـببيّة الأسباب الطبيعيّة واقعاً، ونسبة المسـبَّبات حقيقة إلى فِعل القادر، بلا دخل للأسباب، ولا توقّف للمسـبَّبات عليها عقلا.
وحينئذ فيجوز عقلا وواقعاً ـ مع تمام السبب واجتماع الشرائط ـ عدم حصول الرؤية منّا لجبال بحضرتنا، موصوفة بما وصفها المصنّف، وعدم سماع الأصوات، وإحساس حرارة الحديدة، على ما وصفهما المصنّـف (رحمه الله).
وقد نقل الخصم في آخر كلامه هذا التجويز عن الأشاعرة مع دعوى الجزم بعدمها عادة، وهو خطأ ; لأنّ إثبات العادة على العدم فرع الاطّلاع على الواقع، والاطّلاع عليه غير ثابت.
بل على قولهم بالجواز العقلي، يمكن أن تكون العادة على وجود تلك الجبال، إلاّ أنّـا لم نطّلع عليها، فإنّ مجرّد عدم مشـاهدتها لا يـدلّ على عـدمها ; لإمكـان أن تكـون موجـودة دائماً ونحـن لا نشـاهدها!
كما أنّ عدم لمسنا لها، وعدم مصادمتها لنا حال السـير، لا يدلاّن على انتفائها ; لجواز أنْ لا يخلق الله تعالى اللمس والمصادمة مع وجود سـببهما الطبـيعي!
وكذا الحال في دعوى حصول العادة على العدم، بالنسبة إلى الأصوات والحرارة اللتين ذكرهما المصنّف (رحمه الله).