وأقـول:
نسب المصنّف أوّلا إلى الأشاعرة: إنّ العقل لا يحكم بحسن شيء من الأفعال ولا بقبحه، فعارضه الخصم بأنّهم يقولون بالحسن والقبح بالمعنيين الأوّلين ـ وسيأتي إن شاء الله تعالى في أوّل المطلب الثاني ـ أنّ هذا التفصيل ممّا أحدثه المتأخّرون تقليلا للشناعة، وستعرف ما فيه، وأنّه لا ينفعهم.
ثمّ نسب إليهم القول بأنّ كلّ فعل يقع في الوجود من أنواع الشرور كالظلم، والشرك، وغيرهما، حسن، وهو مبنيّ على تعريفهم للفعل القبيح بما نهي عنه شرعاً وللفعل الحسن بما لم ينه عنه، فإنّه على هذا تكون هذه الأفعال حسنة ; لأنّها فعل الله تعالى، ولا نهي عن فعله.
ولكنّ المتأخّرين تخلّصوا عنه بالقول بأنّ الفعل الحسن ما أُمر به شرعاً، وما يستحقّ فاعله المدح في العاجل، والثواب في الآجل فلا يشمل فعله تعالى.
ولكن على تقديره فنحن نسألهم عن فعل الله تعالى، فإن أقرّوا بحسنه لزمهم القول بحسن هذه الشرور، وإن لم يقرّوا بحسنه فقد خرجوا عن الإسلام!
ودعوى أنّ هذه الشرور حسنة بلحاظ انتسابها إلى الله تعالى بالخلق، قبيحة، بلحاظ انتسابها إلى العبد بالوصفيّة، وكونه محلاًّ لها باطلة، لعدم معقوليّة حسنها من الفاعل، وقبحها من المحلّ والموصوف بها من دون أن