وأقـول:
لا يخفى أنّه إنّما ذكر قوله: " إنّ السبب المحوج إلى المؤثّر هو الحدوث " لزعمه ـ تبعاً لغيره ـ أنّ ذلك مبرّر لقولهم بعدم بقاء الأعراض ; لأنّ دفع لزوم استغناء العالَم ـ بناءً على كون سبب الحاجة هو الحدوث ـ يتوقّف على القول بتجدّد العرض وعدم بقائه.
وفيـه ـ مع فساد المبنى ـ: منع التوقّف ; لأنّ الباقي حادث وإنْ لم يكن متجدّداً، فيحتاج إلى المؤثّر.
نعم، لو أُريد بالحدوث الخروج من العدم إلى الوجود، كان للالتجاء إلى القول بعدم بقاء الأعراض وجه.
وأمّا ما أنكره من اعتبار حكم المشاهدة، فخطأ ; فإنّا لو جوّزنا الغلط على جميع الحواسّ في جميع الأوقات، بإحساسها لبقاء الأعراض، ولم نعتبر دلالة المشاهدة، لم يمكن أن نستفيد حكماً عقلياً من الحسّ ; لأنّ الأحكام العقليّة النظرية والضرورية لا تؤخذ إلاّ من الحسّ الظاهري، أو الحسّ الباطني بواسطة الظاهري ـ كما عرفته في أوّل الكتاب(1) ـ، فلو لم نعتبر مثل تلك المشاهدة العامة لم يصحّ التعويل على حسّ ظاهري.
وأمّا ما استشهد به من غلط الحسّ في الماء الدافق من الأُنبوب وجالس السفينة، فخطأ آخر ; لأنّ الحسّ لا يحكم بوحدة الماء الدافق كما يحكم بوحدة السواد في الثوب، بل يرى مياهاً متّصلة متدافعة تسمّى في
(1) انظر الصفحات 48 ـ 50 من هذا الجزء.