وأقـول:
لا يخفى أنّ المصنّف (رحمه الله) قد ذكر أمراً ضرورياً، وهو: أنّ أمر العاقل بشيء دليل على رضاه به، وإرادته له من الغير ; وأنّ نهيه عن شيء دليل على عدم رضاه به، وكراهته له.
وذكر أنّ الأشاعرة خالفوا العقلاء في ذلك فقالوا: إنّ الله سبحانه يأمر بما لا يرضى ولا يريد، وينهى عمّا يرضى ويريد..
ووجهـه: إنّ الأفعال عندهم مخلوقة لله تعالى، وبالضرورة أنّ الفاعل القادر المختار إنّما يفعل ما يرضى ويريد، ويترك ما لا يرضى ولا يريد.
فإذا فُرض أنّه سـبحانه أمر بما تـرك، فلا بُـدّ أن يكـون قد أمـر بما لا يرضى ولا يريد..
وإذا فُرض أنّه نهى عمّا فعل، فلا بُـدّ أن يكون قد نهى عمّا رضي وأراد.
وهذا يستوجب السفه، تعالى الله عنه وعن كلّ نقص.
وحاصل جواب الفضل ـ بعدما أطال في فضول الكلام ـ أنّ معنى الإرادة في كلام الأشاعرة: هو التقدير.
فيكون معنى قولهم: يأمر بما لا يريد، وينهى عمّا يريد ; أنّه يأمر بما لا يقدّر، وينهى عمّا يقدّر ; وهذا لا يستلزم السفه.
وفيـه: إنّ تقدير الشيء وإيجاده فرع الرضا به والإرادة له، وإنّ عدم تقدير الشيء وعدم إيجاده فرع عدم الرضا به وعدم الإرادة له.