وأمّـا ما ذكره من صورة التزوير، فلا يدلّ على وجود غير المذكورات الخمسة، فإنّ ترتيب أجزاء الكلام أو معانيه في الذهن لا يقتضي أكثر من تصوّرها قبل النطق. كما إنّ انـتفاء العلم عن المخبِر الشاكّ أو العالِم بالخلاف لا يقـتضي إلاّ انتفاء التصديق بالمخبَر به، لا ثبوت أمر آخر غير الخمسة. وكذا الحال في الكلام النفسي في الأمر والنهي ; لأنّه لا يصحّ أن يراد به الأوّلان، أعني: اللفظ ومعاني مفرداته وهيئـته، وهو ظاهر.. ولا الثالث، أعني: تصوّر الألفاظ والمعاني.. ولا الرابع، أعني: الإرادة والكراهة ومقدّماتهما ; لأنّ هذين الأمرين ليسا بكلام نفسي عندهم، ولا نعقل أمراً غير المذكورات يكون كلاماً نفسـياً. وأمّـا خلوّ صورتَي الاعتذار والاختبار عن الإرادة والكراهة، فلا يدلّ على وجود طلب آخر حتّى يكون كلاماً نفسياً، فإنّا لا نجد في الصورتين طلباً في النفس أصلا، كما لا نجد في غيرهما إلاّ طلباً واحداً يُعبّر عنه بالطلب مرّةً، وبالإرادة والكراهة أُخرى. وأمّـا ما قاله من وجود الطلب في الصورتين، بدليل وجوده عند المخاطَب، وبدليل صحّة اعتذار المتكلّم واختباره الدالّة على حصول طلب منـه.. فـفيـه: إنّ معنى وجود الطلب عند المخاطَب إنّما هو تصوّره وفهمه إيّاه، فلا يتوقّف على حصوله عند المتكلّم في الواقع، نظير ما يفهمه السامع للخبر الكاذب، فإنّه لا يتوقّف على ثبوته في الواقع.