وأمّـا صحّة الاعتذار والاختبار، فلا تتوقّف إلاّ على إظهار ثبوت الطـلب، فـلا يكـون الموجـود في الصورتيـن إلاّ صيغـة الطلـب وصورتـه لا حقيقتـه. فإن قلت: فعلى هذا يخلو الأمر والنهي عن المعنى واقعاً في الصورتين. قلت: إنْ أُريد من الخلوّ عن المعنى انتفاء ذاته واقعاً وعند المتكلّم، فنحن نلتزم به، ولا يضرُّ في الدلالة، كما في الخبر الكاذب. وإنْ أُريد انتفاؤه في مقام الدلالة عند السامع، فهو ممنوع ; لأنّ ثبوت المعنى عند السامع إنّما يكون بتصوّره له، وهو حاصل عند سماع اللفظ للعالِم بمعناه، ولا يتوقّف على العلم بإرادة المتكلّم له. على أنّه قد يقال: إنّ معنى الأمر والنهي ليس هو الإرادة والكراهة القائمتين بالنفس حتّى يلزم انتفاء المعنى في صورتَي الاختبار والاعتذار، بل هو الإرادة والكراهة القائمتان باللفظ بإنشائه لهما ; لأنّ صيغ الإنشاء منشئة وموجدة لمعانيها، لا حاكية عن أُمور نفسية. غاية الأمر: إنّ الأُمور النفسية إذا ثبتت في الواقع تكون داعية لإنشاء الطلب والإرادة والكراهة.. وإذا لم تثبت، يكون الداعي غيرها، كالاختبار وإظهار العذر في الصورتين. فحينئذ يكون المعنى في الصورتين موجوداً حقيقةً، كغيرهما، إلاّ أنّه موجود بوجود إنشائي في الجميع، ومثله الكلام في سائر الصيغ الإنشائية. وكيـف كـان، فنحـن في غنىً عمّـا ذكـره الفضل عن " المواقف "، فلا حاجة إلى الإطالة بتحقيق أمره والنظر في ما أورده عليه.