كانت هذه المقدّمة لاغيةً، والمدار على قوله بعدها: " وخالق الكلام لا يقال إنّه متكلّـم "، وهو دعوىً مجرّدة يردّها أيضاً ما سـبق. فالحقّ أنّ المتكلّم من تلبّس بالتكلّم، وتلبّسه به من حيث إيجاده للكلام في الهواء بمباشرة لسان المتكلّم ـ كما في كلام الإنسان ـ، أو بمباشرة شجرة ونحوها ـ كما في كلام الله تعالى ـ، وهذا نحو من أنحاء التلبّس، فإنّها مختلفة: إذ قد تكون بنحو الإيجاد، كما عرفت، ومثله الخطّاط والصبّاغ، فإنّ تلبّسهما بالخطّ والصبغ، بإيجادهما لهما في الثوب والقرطاس مثلا. وقد تكون بنحو الحلول، كالحيّ والميّت. وقد تكون بنحو الانتزاع، كما في صفات الباري جلّ وعلا، بناءً على قول أهل الحقّ من كون صفاته تعالى عين ذاته خارجاً، منتزَعة منها مفهوماً. .. إلى غير ذلك من أنحاء التلبّس، كملابسة التمّار للتمر بالبيع. فلا يلزم أن يكون التلبّس مخصوصاً بالحلول، حتّى يقال بثبوت الكلام النفسي بناءً على تصوّره. ثمّ إنّ هذه الملابسات لا تجعل المشتقّات قياسيةً، بل تتبع الورود، فرُبّ مشـتقّ يُستعمل مع ملابسة لا يُستعمل الآخر معها، ولا يُستعمل هو بدونها. فلا يرد على دعوى إطلاق " المتكلّم " عليه تعالى بملابسة الإيجاد، النقضُ بالذائق والمتحرّك، حيث لا يطلقان عليه تعالى مع إيجاده الذوق والحركـة.