على أنّه لو تمّ ما ذكره الفضل من كون " المتكلّم " وضعاً هو من قام المبدأ به قيامَ حلول، فهو بحث لفظي لا يُلتفت إليه مع امتناعه عقلا، فيلزم أن يراد به معنى الموجِد. مضافاً إلى أنّه لم يعلم إطلاق " المتكلّم " عليه تعالى في الكتاب والسُـنّة، وإنْ أُطلق عليه فيهما أنّه أخبر وأمر ونهى وقال وكـلّم ويكلّم.. بل إطلاق " المتكلّم " عليه عرفيٌّ مستفاد من إطلاق تلك الأُمور في الكتاب والسُـنّة عليه تعالى، فلا ينفع الخصمَ بوجه سديد ألبتّة. ثمّ إنّه على ما ذكرنا من كون المتكلّم مُوجِد الكلام، يكون التكلّم من الصفات الإضافية الآتية من جهة القدرة: كالرازق والخالق، لا من الصفات الذاتية القديمة التي هي في عرض القدرة: كالحيّ والعالِم، خلافـاً للأشاعرة. هـذا، والأعجب من الأشاعرةِ: الحنابلةُ، فإنّهم وافقوا الأشاعرة في قِدَم كلامه، لكن قالوا: هو حروف وأصوات قائمة بذاته تعالى ; كما نقله عنهم في " المواقف " و " شرح التجريد " للقوشجي(1). ونقَـلا عن بعضهم أنّه قال: " الجلد والغلاف قديمان " أيضاً(2). وهذا هو الجهل المفـرط! وسيذكر المصنّف (رحمه الله) دلالة العقل على حدوث الحروف، فانـتـظر.
(1) المواقف: 293، شرح التجريد: 416. (2) المواقف: 293، شرح التجريد: 416 ; أي: " فضلا عن المصحف " كما جاء في شرح التجريد وشرح المواقف 8 / 92.