كلامه مطلقاً، نفسياً ولفظياً، فما حال مذهب يعجز أهله ـ بحسب قواعده ـ عن إثبات امتناع أقبح الأشياء على الله تعالى؟! والحـال أنّ امتناعه من أوّل الضروريّات، بل بمقتضى إسنادهم جميع القبائح إليه سبحانه، يكون صدور الكذب منه تعالى مستقرباً، بل هو واقع عندهم ; لأنّه الخالق لكذب الناس في الإخبار عنه تعالى! فكما يكون كَذِباً منه أن يخلق الكلام الكاذب على لسان ملَك أو نبيّ أو شجرة، يكون كَذِباً منه أن يخلقه على ألسنة سائر الناس. وليس كذبه سبحانه في الكلام اللفظي إلاّ بهذا النحو، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً. وأمّـا قوله: " إنّ القول بأن لا موثّر في الوجود إلاّ الله، لا يستلزم إسناد القبائح إليه ; لأنّ فعل القبائح من مباشرة العبد ".. فهو سفسطة عند العقلاء، إذ كيف يصحّ عند عاقل نسبة القبح إلى المحلّ الذي لا أثر له فيه ألبتّة وعدم نسبته إلى خالقه وموجده؟! على أنّه يلزم منه أن لا يمتنع الكذب منه تعالى على لسان ملَك أو نبيّ ; لأنّه بمباشرتهما، فكيف التزموا بامتناع الكذب منه تعالى في الكلام اللفظي؟! ولا يخفى أنّ المصنّف لم ينسب إلى القوم أنّه تعالى لا بُـدّ أن يكذب في كلامه، فلا معنى لقول الخصم: " ثمّ من خلق القبائح فلا بُـدّ أن يكذب ". ولو نسـب إليهم وقوع الكذب منه سبحانه لكان حقّاً ; لخلقه سبحانه ـ عندهم ـ للكذب في الإخبار عنه على ألسنة العاصين، كما عرفت.