وبالضرورة أنّه إذا امتنع استمرار الوجود، امتنع الوجود في الزمن الثاني وإن اختلفا مفهوماً، بل جعل البقاء سابقاً من الأمثال المتواردة، فإذا فرض إمكان الوجود في الزمن الأوّل وامتناع البقاء، لزمه امتناع الوجود في الزمن الثاني ولزم الانقلاب، كما ذكره المصنّف. فلا بُـدّ أن نقول: الأعراض متى كانت ممكنة لذاتها في الآن الأوّل، كانت ممكنة البقاء والوجود في الآن الثاني، وإلاّ لزم الانقلاب. وأمّا ما ذكره بالنسبة إلى دليلَي الأشاعرة، فليس فيه إلاّ تسليم بطلان ثانيهما، والإحالة في ترويج أوّلهما على غيره، مع علمه بأنّه قد أبطله في " المواقف " وشرحها(1) بما أبطله به المصنّف. وأمّا ما زعمه من أنّ المصنّف نقل اعتراضاته على الدليل الثاني عن الأشاعرة، كصاحب " المواقف " وغيره، فهو جهل ; لأنّ " المواقف " وغيرها ـ ممّا قارنها زماناً أو تأخّر عنها ـ متأخّرة عن زمان المصنّف(2). وإنّما حرّر صاحب " المواقف " التي هي أجمع كتاب لهم، تلك الاعتراضات وغيرها آخذاً من المصنّف (رحمه الله) وغيره من علماء الإمامية، وإلاّ فالأشاعرة غالباً مقلّدون لشيخهم الأشعري تقلّيداً أعمى.
(1) المواقف: 101 ـ 103، شرح المواقف 5 / 39 ـ 50. (2) فقد ألّف العلاّمة الحلّي (قدس سره) كتابه " نهج الحقّ وكشف الصدق " بطلب من السلطان أُولجايتو خدا بنده محمّـد الذي توفّي في شهر رمضان من سنة 716 هـ، ووُلد صاحب " المواقف " عبـد الرحمن بن أحمد الإيجي سنة 708 هـ، وعليه: فإنّ العلاّمة الحلّي كان قد فرغ من كتابه هذا وللإيجي آنذاك أقلّ من ثماني سنوات. انظر: البداية والنهاية 14 / 62، معجم المؤلّفين 2 / 76 رقم 6756، الذريعة إلى تصانيف الشيعة 24 / 416 رقم 2183.