لأفعال العباد لانقلبت الحجّة بها للكفّار ; لأنّه إذا كان هو الخالق لشركهم لمّا صلح الإنكار عليهم به، وكان لهم أن يقولوا: إذا كنت قد فعلت ذلك بنا فلِمَ تنكر علينا بفعل فعلته فينا ونحن لا أثر لنا فيه أصلا؟! مضافاً إلى أنّ المراد الإنكار عليهم في جعل آلهة لا يمكن الاشتباه بإلهيّـتهم، إذ لم يجعلوا لله تعالى شركاء لهم خلق يشبه خلقه حتّى يحصل به الالتباس في الإلهية. وهذا إنّما يراد به المخلوقات المناسبة للإلهية كالسماوات والأرض والأجسام والأعراض، فيكون عموم قوله تعالى:( خالق كلّ شيء ) إنّما هو بالنسبة إلى تلك المخلوقات، لا مثل الشرك والإلحاد والظلم والفساد ونحوها، ممّا يصدر من البشر ويتنزّه عنه خالق العجائب وعظام الأُمور وبديع السماوات والأرضين. ولو أعرضنا عن ذلك كلّه فالعموم مخصَّص بالأدلّة العقلية والنقلية، الكتابية وغيرها، الدالّة على أنّ العباد هم الفاعلون لأفعالهم، كما ستعرف إن شاء الله. وأمّا قوله: " ويعاقب الناس على كسبهم ومباشرتهم الذنوب ". ففيه: إنّ الكسب إنْ كان من فعلهم فقد خرج عن مذهبه، وإنْ كان من فعل الله تعالى فالإشكال بحاله ; إذ كيف يعاقبهم على فعله؟! وأمّا قوله: " والمُعرِض مَن يباشر الإعراض لا مَن يخلق ". ففيه: إنّ المصنّف لم يدّعِ صدق المُعرِض على الله تعالى بناءً على مذهبهم حتّى يجيبه بذلك، بل يقول في تقرير مذهبهم: إنّه سبحانه يخلق الإعراض في الناس، وينكر على المعرض أي المحلّ الذي يخلق فيه الإعراض، كما هو مراد الخصم بمباشر الإعراض.