وحاصله: إنّ كلّ ما يجري في ملكه من أنواع الفواحش، والفجور، والكفر، والإلحاد، والكذب، والظلم، والغواية، ونحوها، إنّما هو بإساءته ومن فعله! فيا ليت شعري كيف يصلح مع هذا الزعم أن يسـبّحه وينزّهه؟! وأمّا قوله: " ولا يجوّزون وجود الآلهة في الخلق كالمجوس ". فهو تعريض بأهل العدل حيث ينسبون تلك الأفعال الشنيعة والأحوال الفظيعة إلى العباد، وينزّهون الله سبحانه عنها. ومن المعلوم أنّ ذلك لا يستدعي القول بالشركة، فإنّهم إنّما يرون أنّه تعـالى أقدرهم على أفعالهم بلا حاجة منه إليهم، فـفعلوها بتمكيـنه لهم، فلا استقلال لهم حتّى يكونوا آلهة، فكيف يشبهون المجوس؟! وإنّما الذي يشبههم من يقول بزيادة صفاته على ذاته، وقدمها مثله، وحاجته إليها في الخلق، بحيث لولاها لَما خلق شيئاً فهي شريكته في الإلهية ; تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً. وأمّا ما استدلّ به من قوله تعالى:( يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء )(1). فـفيـه: إنّ استدلاله موقوف على أن يراد بالإضلال: خلق الضلال، وبالهداية: خلق الهدى ; وهو ممنوع ; لجواز أن يراد بالإضلال: الخذلان والإضاعة، وبالهداية: التوفيق، كما قال (عليه السلام): " تطاع بتوفيقك وتُجحد بخذلانك "(2). (1) سورة النحل 6: 93، سورة فاطر 35: 8. (2) إقبال الأعمال 1 / 299 ب 20 دعاء الليلة 16، وفيه " تعبد " بدل " تطاع ".