حكمة وصوابـاً. وكذا قوله: " لا يجب عليه شيء ". فإنّه لو فهم أنّ المقصود منه أنّه لا يجب عليه الرحمة وجزاء عبده بالطاعة وفعل الجميل، وأنّه يجوز أن يعذّب المطيع المحسن بلا ذنب، لأنكر صلاحيّته للربوبية، وحكم بعدم عدله وحكمته، ولم ير بالدخول بالإسلام على تقدير أحقّيّته فائدة تقتضي إتعاب النفس في اتّباع أحكامه. وكذا قوله: " وكلّ ما يفعله في العباد من إعطاء الثواب وإجراء العقاب، فهو تصرّف في ملكه، ولا يتصوّر منه ظلم، لا يُسـأل عمّا يفعـل ". فإنّه لو علم أنّ المراد أنّه يجوز عقاب من آمن به وعبده طول عمره ولم يذنب قطّ، وثواب من كفر به وسبّه مدّة حياته، وأنّه لا يُسأل عن ذلك، لحكم بأنّ تجويز ذلك تجويز للجور والسفه عليه سبحانه، وبادر إلى الاعتراض والسؤال عن هذا العمل الوحشي. ومعنى قوله تعالى: ( لا يُسأل عمّا يفعل )(1) على مذهب أهل العـدل، أنّه لمّا علمت حكمته وعدله فلا يسأل عن فعله إذا خفي وجهه، لا أنّه لا يُسأل عن فعله وإن نافى الرحمة والعدل والحكمة(2). وأمّا قول الخصم: " وهم يُسـألون ". فممّا يزيد المتحيّر حيرة ; لأنّه بعدما ذكر له أنّ أفعال العباد مخلوقة لله تعالى لا يتصوّر وجهاً لمسؤولـيّـتهم عن شيء لا تأثير لهم فيه أصلا. (1) سورة الأنبياء 21: 23. (2) انظر: تفسير الكشّاف 2 / 568، مجمع البيان 7 / 70، تفسير الفخر الرازي 22 / 157 ـ 158.