الإدراك هي أعرف الأشياء في كونها محقّقة ثابتة، فلا نسلّم الأعرفية، فإنّ كثيراً من الأجسام والأعراض معروفة محقّقة الوجود مثل الرؤية. وإنْ أراد أنّ الإحساس ـ الذي هو الرؤية ـ أعرف بالنسبة إلى باقي المحسوسات(1)، ففيـه: إنّ كلّ حاسّة بالنسبة إلى متعلّقها، حالها كذلك، فمن أين حصل هذه الأعرفية للرؤية؟! وبالجملـة: هذا الكلام غير محصّل المعنى. ثمّ قوله: " إنّ الله تعالى خلق النفس الإنسانية ـ في مبدأ الفطرة ـ خالية عن جميع العلوم بالضرورة، وقابلة لها [بالضرورة]، وذلك مُشاهَد في حال الأطفال ".. كلام باطل، يُعلم منه أنّه لم [يكن] يعرف شيئاً من العلوم العقليّة، فإنّ الأطفال لهم علوم ضروريّة كثيرة من المحسوسات البصريّة والسمعيّة والذوقيّة، وكلّ هذه المحسوسات علوم حاصلة من الحسّ. ولمّا لم يكن هذا الرجل من أهل العلوم العقليّة، حسب أنّ مبدأ الفطرة الذي يذكره الحكماء ويقولون: " إنّ النفس في مبدأ الفطرة خالية عن العلوم " هو حال الطفوليّة ; وذلك باطل عند من يعرف أدنى شيء من الحكمـة، فإنّ الجنين ـ فضلا عن الطفل ـ له علوم كثيرة. بل المراد من مبدأ الفطرة: آنُ تعلّقِ النفس بالبدن، فالنفس في تلك الحال خالية عن جميع العلوم إلاّ العلم بذاتها. وهذا تحقيقٌ ذُكِر في موضعه من الكتب الحكميّة، ولا يناسب بسطه