أمراً ـ غير الحياة في مبدأ الفطرة ـ يقتضي العلم بالذات، أو سائر الوجدانـيّـات. ولو سُلِّم، فتعميم الإدراك للجميع أقرب من تخصيصه بالذات. ثمّ إنّ المصنّف (رحمه الله) أراد بقوله: " أنكروا قضايا محسوسة " أنّهم أنكروا أصل ثبوتها، كإنكارهم كون شرائط الرؤية وسائر الإحساسات الظاهريّة، شرائط واقعيّة لها، لإحالتهم كلّ شيء إلى إرادة الفاعل المختار، وقولهم: " إنّ تلك الشرائط لا دخل لها بالمشروط، وإنّ الترتّب بينها عاديّ فقط ". وقد اختلف كلام الخصم هنا. فمرّةً قال: أراد أنّهم أنكروا وجوب تحقّق الرؤية. ومرّةً قال: أراد أنّهم يمنعون الاعتماد على القضايا المحسوسة. وكلاهما غير مراد للمصنّف، لكنّه تعرّض لأوّلهما ـ في المباحث الآتية ـ من حيث تفرّعه على إنكار أصل القضايا. ولعلّه توهمّ أنّ المصنّف أشار إلى ثانيهما بقوله: " فالطعن في الأصل طعن في الفرع ".. وهو خطـأ! فإنّ المصنّف أراد الطعن في القضايا المحسوسة، من حيث إنكارها، لا من حيث وقوع الغلط في المحسوسات، وعدم صحّة الاعتماد عليها، مع أنّه لا فرق بينهما في أنّ القول بهما موجب لإنكار المعقولات ; لتفرّعها عليهـا. ولا يرفع الإشكال ما ذكره من أنّ مبادئ البرهان أشياء متعدّدة ; لرجوع أكثر غير المحسوسات إليها. وبالجملـة: ليس للإنسان من القوى المدركة إلاّ قوى الحواسّ