وأمّا الثالث: فلأنّ المقدّمات سبب طبيعي للنتيجة، فلو لم تؤثّر فيها لجاز عقلا تخلّف النتيجة عنها، ويبطل الاستدلال كما سيذكره المصنّف (رحمه الله)في أوّل مباحث النظر. هذا كلّه مضافاً إلى أنّ دعوى إمكان الرؤية بلا شرائطها تحتاج إلى دليل، إذ ليس ذلك ضرورياً، فعليهم إثبات الإمكان. ولا ينافيه قول الرئيس ابن سينا: " ما قرع سمعك فذره في بقعة الإمكان، حتّى يذودك عنه واضح البرهان "(1). فإنّ المراد بالإمكان فيه هو الاحتمال، لا مقابل الامتناع. وأمّا قول الخصم: " لا يلزم من فرض تحقّق الرؤية بدون هذه الشرائط محال ". فإنْ أراد به أنّ تحقّق الرؤية بدون شرائطها ليس بمحال ; فهو عين الدعوى. وإنْ أراد به أنّه لا يلزم منه محال آخر فلا يكون محالا.. ففيـه: إنّ محالية الشيء لا تتوقّف على أنْ يلزم منه محال آخر، وإلاّ لم يكن اجتماع الضدّين أو النقيضين ـ كأكثر المحالات ـ محالا. فإنْ قلـت: لعلّهم يريدون بالرؤية ـ التي ينكرون توقّفها عقلا على الشرائط ـ غير الرؤية المعروفة الحاصلة بالانطباع، أو بخروج الشعاع القائمة بالقوّة المودَعة بالآلة الخاصّة. قلـت: لو أرادوا غيرها ـ كالانكشاف العلمي ـ لكان النزاع لفظياً، وهو خلاف البديهة، ولَما احتاج الخصم إلى ذِكر أنّ قاعدتهم إحالة كلّ
(1) الإشارات والتنبيهات 3 / 418 النمط العاشر في أسرار الآيات.