نرى الجسم الكبير من البعد صغيراً، وما ذلك إلاّ لأنّا نرى بعض أجزائه دون بعض مع تساوي الكلّ في حصول الشرائط، فظهر أنّه لا تجب الرؤية عند اجتماع الشرائط(1). والتحقيـق ما قدمناه [من] أنّهم يريدون من عدم الوجوب: جواز عدم الرؤية عقلا، وإمكان تعلّق القدرة به. فأين إنكار المحسوسات؟! وأين هو من السفسطة؟! ثمّ ما ذكر من تجويز أن تكون بحضرتنا جبال شاهقة ـ مع ما وصفها من المبالغات والتقعقعات(2) الشـنيعة، والكلمات الهائلة المُرعِدة المُبرِقة، التي تميل بها خواطر القلندرية(3) والعوامّ إلى مذهبه الباطل، ورأيه الكاسد الفاسد ـ فهو شيء ليس بقول ولا مذهب لأحد من الأشاعرة. بل يورد الخصمُ عليهم في الاعتراض، ويقول: إذا اجتمعت شرائط الرؤية في زمان وجب حصول الرؤية، وإلاّ جاز أن يكون بحضرتنا جبال
(1) انظر: شرح المواقف 8 / 136. (2) الـتَـقَـعْـقُـعُ: التحـرُّك، وتَـقَـعْـقَـعَ الشيءُ: صَوَّتَ عند التحريك أو التحـرُّك، واضطَرب وتحرّك. انظر: الصحاح 3 / 1269، لسان العرب 11 / 247، تاج العروس 11 / 392، مادّة " قَعَعَ ". (3) القلندرية: كلمة أعجمية بمعنى المحلّقين، وهم فرقة صوفية يحلقون رؤوسهم وشواربهم ولحاهم وحواجبهم، وكانت هذه الفرقة مكروهة من الفقهاء المسلمين وعلمائهم، وقد نشأت في عهد الظاهر بيبرس، وهو الذي شجّعها، وكان سبب انتشارها في مصر والشام، ومن مشاهير رجالها الشيخ عثمان كوهي الفارسي، وقال بعضهم: إنّ هذه الفرقة أوّل ما ظهرت بدمشق سنة 616 هـ وكان لها عدّة زوايا في الشام ومصر. انظر: معجم الألفاظ التاريخية: 125.