وقد يسـتفاد من تفريع عدم الإبصار على وجود الغشاوة، أنّ الإبصار محتاج في ذاته إلى عدم الحاجب، الذي هو أحد الشروط المتقدّمة. وأمّـا ما نقله عن بعض الأشاعرة، من حصول جميع شرائط الرؤية لكلّ جزء من أجزاء الجسم الكبير البعيد، مع عدم ثبوت الرؤية لبعضها، ففيـه: إنّ فرض حصول الشرائط لجميع الأجزاء يوجب أن يكون تخصيص البعض بالرؤية ترجيحاً بلا مرجّح، وهو باطل. فلا بُـدّ من الالتزام بعدم حصول الشرائط لبعضها، أو الالتزام بتعلّق الرؤية في القرب والبعد بمجموع الجسم لا بأجزائه. وإنّما يُرى كبيراً في القرب، صغيراً في البُعد، لأُمور محتملة.. أحدها: إنّ صغر المرئي إنّما هو بحسب صغر الزاوية الجليدية وكبرها، إنْ قلنا: إنّ الإبصار بالانطباع. أو بحسب صغر زاوية مخروط الشعاع وعظمها، إنْ قلنا: إنّ الإبصار بخروج الشعاع. وأورد عليه صاحب " المواقف " بما هو مبنيٌّ على تركّب الجسم من أجزاء لا تتجزّأ، وعلى أنّ المرئي حال البعد نفس الأجزاء لا المجموع(1). وكلاهما باطل. واعلم أنّ قول المصنّف (رحمه الله): " وكذا يكون بحضرتنا أصوات هائلة " دالّ على ما ذكرناه سابقاً، من أنّه أراد بالإدراك ـ في عنوان المسألة ـ مطلق الإحساس الظاهري، لا خصوص الرؤية. (1) انظر: المواقف: 307 ـ 308، شرح المواقف 8 / 136 ـ 137.