فقد ثبت أنّ صحّة الرؤية مشتركة بين الجوهر والعرض، وهذه الصحّة لها علّة مختصّة بحال وجودهما ; وذلك لتحقّقها عند الوجود، وانتفائها عند العدم، ولولا تحقّق أمر يصحّح حال الوجود غير [متحقّق] حال العدم لكان ذلك ترجيحاً بلا مرجّح. وهذه العلّة لا بُـدّ أن تكون مشتركة بين الجوهر والعرض، وإلاّ لزم تعليل الأمر الواحد بالعلل المختلفة، وهو غير جائز. ثمّ نقول: هذه العلّة المشتركة إمّا الوجود أو الحدوث، إذ لا مشترك بين الجوهر والعرض سواهما، لكنّ الحدوث عدمي لا يصلح للعلّة، فإذاً العلّة المشتركة: الوجود، فإنّه مشترك بينها وبين الواجب، فعلّة صحّة الرؤية متحقّقة في حقّ الله تعالى، فتتحقّق صحّة الرؤية ; وهو المطلوب. ثمّ إنّ هذا الدليل يوجب أن تصحّ رؤية كلّ موجود: كالأصوات، والروائح، والملموسات، والطعوم ـ كما ذكره هذا الرجل ـ، والشيخ الأشعري يلتزم هذا ويقول: لا يلزم من صحّة الرؤية لشيء تحقّق الرؤيـة لـه. وإنّا لا نرى هذه الأشـياء التي ذكرناها بجري العادة من الله تعالى بذلك ـ أي بعدم رؤيتها ـ فإنّ الله تعالى جرت عادته بعدم خلق رؤيتها فينـا، ولا يمتنع أنْ يخلق الله فينا رؤيتها كما خلق رؤية غيرها. والخصوم يشدّدون عليه الإنكار ويقولون: هذه مكابرة محضة، وخروج عن حيّز العقل بالكلّـيّة. ونحن نقول: ليس هذا الإنكار إلاّ استبعاداً ناشئاً عمّا هو معتاد في الرؤية ; والحقائق، والأحكام الثابتة المطابقة للواقع، لا تؤخذ من العادات،